الأقصى في ظلّ حصار الأعياد العبرية وجائحة كورونا واتفاقات التطبيع
18 أيلول 2020
خاص موقع مدينة القدس – براءة درزي
لا يزال الأقصى عنوان الاستهداف الأكبر في القدس المحتلّة، وقد عمل الاحتلال على ترسيخ جملة من الاعتداءات التي تهدف إلى تغيير الوضع القائم في المسجد، واستفاد مؤخرًا من سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتبنّيه الكامل للرواية الإسرائيلية كما ثبّتتها صفقة القرن الأمريكية التي أعلن عنها رسميًا في 28/1/2020 وأشارت إلى “حسن إدارة إسرائيل” للمكان، وأقرّت “حقّ” أتباع جميع الأديان في ممارسة طقوسهم فيه. ثمّ جاء اتفاق الإمارات والبحرين التطبيعي مع الاحتلال وما سبقهما ورافقهما من تصريحات حول فتح الأقصى أمام المسلمين للصلاة فيه، ليفرض خطرًا جديدًا يتعلّق بإعادة تعريف الأقصى والمساس بالوضع القائم فيه، حيث تضمّن الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال والإمارات، إشارة إلى أنّ المسلمين سيمكنه زيارة الأقصى بموجب الاتفاق، فيما كرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومستشاره جاريد كوشنر، تصريحاتهم حول أهمية اتفاقات التطبيع التي “ستسمح للمسلمين من كلّ مكان بزيارة الأقصى”، و”وقف الأكاذيب التي تناقلتها الأجيال أنّ اليهود والعرب أعداء وأنّ الأقصى عرضة للاعتداء”.

تحضر هذه التطوّرات عشيّة موسم الأعياد العبرية الذي تجتمع فيه أربعة أعياد تبدأ من رأس السّنة العبرية مرورًا بعيدي الغفران والعرش وصولاً إلى عيد بهجة التوراة، ويمتدّ من 2020/9/19 حتى 2020/10/11، ليشكّل محطة سنويّة تتصاعد فيها المخاطر التي يتعرّض لها الأقصى؛ ويوازي هذا الموسم موسم آخر تتوزّع أعياده، الدينية والقومية، ما بين آذار/مارس وآب/أغسطس وتشكّل هي الأخرى فرصة لـ “جماعات المعبد” كي تكثّف تحرّكها باتجاه تحقيق مطالبها التي تتناسب مع مزاعمها حول الأقصى.
العيد العبري | التاريخ |
رأس السنة العبرية | 19-20/9/2020 |
عيد الغفران | 28/9/2020 |
عيد العرش | 3-10/10/2020 |
بهجة التوراة | 11/10/2020 |
ويأتي موسم الأعياد هذا العام في ظلّ تفشّي جائحة كورونا، وموافقة حكومة الاحتلال على فرض إغلاق شامل ثلاثة أسابيع اعتبارًا من 2020/9/18، من دون أن يعني هذا القرار أنّ الموسم لن يكون محفوفًا بالمخاطر، بل العكس تمامًا حيث يستغل الاحتلال تفشي الجائحة لتنفيذ أجندته في الأقصى فيما قد يحاول المستوطنون تنفيذ “اعتداءات نوعيّة”، والحرص على أن تكون علنيّة لتكريسها في باب الإنجازات المتعلّقة بالأقصى.
وفي ما يأتي أبرز تطوّرات الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى، والمشهد في المسجد كما يبدو عشيّة موسم الأعياد العبرية، وما يحمله الموسم من مخاطر واعتداءات محتملة.
سعي محموم لأداء الطّقوس التلمودية في الأقصى
شهدت الأعوام الأخيرة، لا سيّما عام 2015 وما تلاه، مجموعة من الحراكات الشعبية التي ساهمت في كبح الهجمة الإسرائيلية على الأقصى، ومخططات التهويد في المسجد. وكانت انتفاضة السكاكين 2015، وهبّتا باب الأسباط 2017 وباب الرحمة 2019 المحطات الأبرز على مستوى مواجهة المخاطر المحدقة بالأقصى. ومع العراقيل التي فرضها الحراك الشعبي في مواجهة الهجمة المسعورة لجماعات المعبد، فقد باتت هذه الجماعات أكثر اهتمامًا بتحقيق إنجازات “نوعية” بصرف النظر عن عدد المشاركين فيها، وكان اقتحام الأضحى في 2019/8/11 بذريعة “ذكرى خراب المعبد” دليلاً واضحًا على هذه السياسة التي اعتمدتها “جماعات المعبد”، وقد لاقت تجاوبًا من المستوى الرسمي الإسرائيلي حيث وفرت لها قوات الاحتلال الحماية، فيما اعتمد مسار قصير للاقتحامات لا يتعدّى 60 مترًا، لكنّ المشهد الذي حاولت هذه الجماعات تصديره هو أنّ أعياد المسلمين لن تحول دون اقتحامهم للمسجد وأنّ المسجد ستحكمه رزنامة الأعياد العبريّة.
كذلك، شهدت الأعوام المنصرمة جهودًا حثيثة لأداء الطقوس التّلمودية في الأقصى، فكان المستوطنون، فرادى أو في جماعات، يؤدّون الصلوات وطقوس الانبطاح التي بدأت عند أبواب المسجد ثم تمدّدت إلى داخله، وباتت أكثر علنيّة في أيلول/سبتمبر 2019 عندما رصدتها كاميرات المصلين في المسجد، فيما رصد أداء طقوس السجود الملحمي في المسجد في اقتحام “ذكرى خراب المعبد” في 2020/8/30، بالتزامن مع يوم عرفة.
وتركّز “جماعات المعبد” هذا العام على النفخ بالبوق (الشوفار) في الأقصى، والبوق هو من أدوات الطقوس اليهودية، وينفخ فيه خلال الشهر الذي يسبق عيد رأس السنة العبرية وفي يوم العيد نفسه وفي ختام يوم الغفران؛ ويقود الحاخام المتطرف يهودا غليك حملة في هذا السياق، حيث تقدّم بالتماس إلى قائد شرطة الاحتلال في القدس، في 2020/8/23، يطالب بالسماح له بأن ينفخ في الشوفار في الأقصى يوم رأس السنة العبرية الذي يوافق السبت 2020/9/19، لكنّ الشرطة ردّت التماسه. ومع ذلك، فقد قام غليك بالنفخ بالبوق مرات عدّة منذ 2020/8/25، وذلك في مواقع مشرفة على الأقصى أو قريبة منه، وتوزّعت المحطات وفقًا لما يأتي: جبل الزيتون، ومقبرة باب الرحمة، وباب الأسباط، وباب الحديد، وعند سور المسجد الجنوبي. وعلاوة على ذلك، نشر غليك على صفحته على فيسبوك، مقاطع فيديو يوثّق فيها النفخ بالشوفار عبر الهاتف في بثّ حيّ داخل الأقصى، ولم تكن هذه الممارسات بعيدة عن أعين شرطة الاحتلال، وقد أكّد غليك أنّ الشرطة تسمح بذلك.

استهداف دور الأوقاف في المسجد
يتصاعد الاستهداف الإسرائيلي لدور الأوقاف في الأقصى، وذلك ضمن محاولات الاحتلال االمستمرّة لتغيير الوضع القائم في المسجد. وفي هذا السياق، عمدت سلطات الاحتلال، في 2020/9/9، إلى تركيب مكبرات للصوت عند باب المطهرة في الرواق الغربي للأقصى فيما كانت ركبت مكبرات مشابهة في 2020/9/6 بالقرب من مئذنة باب الأسباط في الرواق الشّمالي للمسجد. وتضاف هاتان السّماعتان إلى أربع أخريات كانت سلطات الاحتلال ركّبتها في وقت سابق: واحدة عند باب الغوانمة وأخريان عند باب الحديد ورابعة عند باب السلسلة، ما يرفع المجموع إلى ستة.

بالدرجة الأولى، تعدّ هذه الأجهزة اعتداء على الدّور الأردني في الأقصى وتجاوزًا لصلاحيات الأوقاف، لا سيما أنّ الأخيرة كشفت في بيان في 2020/9/6 أنّ الاحتلال ركب الأجهزة على الرغم من رفضها، وجاء في البيان “أنّ ما جرى اليوم من شرطة الاحتلال من استخفاف وانتهاك لحرمة المسجد الأقصى المبارك بنصب سلالم على مدخل مئذنة باب الاسباط والصعود إلى سطح المدرسة وباب الأسباط بالقوة، رغم رفض الأوقاف لهذا الإجراء وعدم استجابتها منذ يوم الخميس الماضي إلا أن إصرار شرطة الاحتلال على تركيب هذه السماعات باتجاه ساحة الغزالي وعلى السور الشمالي والغربي يفضي ويبوح بنوايا شرطة الاحتلال”. وتشكل هذه الأجهزة نواة بنية تحتية صوتية يمكن أن يستغلّها الاحتلال أداة للسيطرة والتحكم بالموجودين في الأقصى، عبر بثّ الإرشادات أو التوجيهات أو غير ذلك.
علاوة على ذلك، يستهدف الاحتلال الحراس بشكل لافت ليتسنّى للمستوطنين تنفيذ اقتحاماتهم وما يرافقها من طقوس تلمودية من دون أن يتدخل الحراس لمنعها أو لتوثيقها. وفي هذا السياق تأتي الاعتقالات التي تنفذها الشرطة ضد الحراس وكذلك إبعادهم عن الأقصى، وكان من آخر فصولها اعتقال حارسة الأقصى هبة سرحان وموظفي الأوقاف عماد عابدين وبلال عوض الله من قسم الإطفاء، وعمران الأشهب من قسم الصيانة، على خلفية تصدي الحارسة سرحان لمحاولات قوات الاحتلال اقتحام المصلى القبلي، ومسارعة زملائها إلى الوقوف معها ومساندتها. وقد قررت الشرطة، في 2020/9/5، إبعاد الأربعة عن مكان عملهم في الأقصى ما بين ثلاثة وخمسة أشهر.

يضاف إلى ذلك سياسة الاحتلال في منعهم من أداء دورهم، لا سيما إلزامهم بالابتعاد عن عناصر الاحتلال المرافقين لمجموعات المستوطنين في أثناء جولات الاقتحام لمنعهم من توثيق اعتداءات المستوطنين وممارساتهم.
الأقصى وجائحة كورونا
قررت حكومة الاحتلال في 2020/9/13، فرض إغلاق شامل للحدّ من تفشي فيروس كورونا بعدما تجاوز معدل الإصابات 4000 حالة يوميًا، على أن يبدأ الإغلاق في 2020/9/18، أي عشية موسم الأعياد. وقيّد القرار حركة الأفراد بالتزام التحرّك ضمن مسافة 500 متر في إطار سكنهم، مع قيود على أعداد الموجودين في أماكن العبادة، بحيث لا تتخطى، في المناطق الحمراء، 20 شخصًا في الأماكن المفتوحة و10 في الأماكن المغلقة.
في 2020/9/16 مساء، أعلن مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني أنّ المسجد سيظل مفتوحًا أمام المصلّين؛ وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من إعلان عضو مجلس الأوقاف وشؤون والمقدّسات الإسلامية أنّ المجلس قرّر “تعليق” دخول المصلّين والزوار إلى المسجد ثلاثة أسابيع بدءًا من بعد صلاة الجمعة في 2020/9/18 “حفاظًا على حياة المصلين والمواطنين بعد ازدياد أعداد المصابين بفيروس كورونا”، مع إبقائه مفتوحًا أمام الحراس وموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، ورفع الأذان فيه وإقامة الصلوات الخمس فيه وصلاة الجمعة للموظّفين.
وكان عبد القادر أعلن أنّ شرطة الاحتلال رفضت قرار إغلاق المسجد، ما دفع مجلس الأوقاف إلى التراجع عن القرار ودعوة المقدسيين إلى الصلاة والرباط في الأقصى طالما أنّ الشرطة لن تمنع الاقتحامات. ومن دون الدخول في نقاش قرار الإغلاق والعودة عنه من قبل مجلس الأوقاف، فإنّ تمسّك الشرطة بفتح الأقصى يحتّم التنبّه إلى أنّ المستوطنين قد يعملون على تنفيذ اعتداءات “نوعية” في أثناء الاقتحامات، إذ لن يكون عدد المقتحمين هو الهدف الأساسي بل تنفيذ اعتداءات تصبّ باتجاه تغيير الوضع القائم في الأقصى، ويحضر في هذا السياق محاولات محتملة للنفخ بالبوق في المسجد، وإدخال ثمار العرش إليه، وأداء طقوس الانبطاح، وقراءة النّصوص التّلمودية فيه.
ضرورة التصدّي للاحتلال وإحباط مخطّطاته في الأقصى
يختصر هذا المشهد حجم المخاطر المحدقة بالأقصى، وضرروة مواجهتها وإحباطها ومنع الاحتلال من فرض المزيد من الاعتداءات على الوضع القائم في الأقصى، لا سيّما أنّ اتفاقات التطبيع الأخيرة تفاقم من قتامة المشهد ومن حجم المخاطر واحتماليّة استفادة الاحتلال من هذه التطورات على المستوى الرسمي العربي لمزيد من الاختراق للوضع القائم.
وقد نبّهت جهات متعدّدة من المخاطر المتفاقمة التي تهدّد الأقصى، ومن إعطاء الاحتلال أيّ مجال لفرض أجندته في الأقصى تحت ذريعة جائحة كورونا أو غيرها، ومنع الاحتلال من أن يكون شريكًا في أيّ قرار حول الأقصى. وبرز في هذا السياق تحرّك مؤسسة القدس الدولية عبر اتصالات وبيانات تنبّه إلى خطوةرة الوضع، وقالت إنّ قرار إغلاق الأقصى وفتحه لا يجوز أن يخضع لإرادة الاحتلال، أو أن يكون وفق الرزنامة العبرية، ودعت المؤسسة الحكومة الأردنية إلى الحفاظ على استقلالية مجلس الأوقاف حتى لا تقوَّض مشروعيته. وشدّدت المؤسسة كذلك على ضرورة مراعاة شروط الوقاية الصحية والتباعد الجسدي في الأقصى إذ تسمح المساحات الكبيرة للمسجد بتطبيق هذه الإجراءات، فيما يفوّت إبقاء المسجد مفتوحًا الفرصة على مخططات الاحتلال باستغلال جائحة كورونا لتطبيق أجندات التهويد، وتغيير الوضع القائم في الأقصى. وأكدت المؤسسة كذلك أهمية عدم إشراك الاحتلال في أيّ قرار يتعلق بإغلاق المسجد، داعية الأردن للكشف عن صنوف الإجرام الإسرائيليّ بحق المسجد، والاستفادة من الإمكانات المتوافرة التي سيكون لها تأثيرها مقابل عدو عدو تراجعَ مرارًا وتكرارًا أمام ثلة من المصلين والمرابطين والمرابطات في هبة باب الأسباط، وهبة باب الرحمة وغيرهما.
وتقاطعت هذه الدّعوات والتحذيرات مع دعوات شعبية أطلقت في القدس المحتلّة لمنع إغلاق الأقصى والاستفادة من تجربة الإغلاق السابقة التي فرضت بإرادة الاحتلال على مدى 69 يومًا، وكانت لها تبعات وارتدادات خطيرة على الأقصى، وأعلن المقدسيون رفضهم تدخل الاحتلال في الأقصى، وتفويت الفرصة عليه ومنعه من الاستفراد بالمسجد.
ونبّه أمين المنبر الشيخ عكرمة صبري من أنّ الاحتلال يستغل جائحة كورونا لفرض واقع جديد على البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وحذر من تبعات إجراءات الاحتلال بحق الأقصى داعيًا إلى الوجود في المسجد في الأوقات كافة، حتى لا لا تكون لدى الاحتلال فرصة للاستفراد به بسبب الجائحة. وأكّد صبري أنّ الفلسطينيين لن يسمحوا للاحتلال بإغلاق المسجد الأقصى محذرًا من المساعي الإسرائيلية لتجاوز دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية.