تقرير عن معاناة اهل القدس من عمليات هدم المنازل
تقرير عن معاناة اهل القدس من عمليات هدم المنازل
مع تفاقم الأزمة الصحية في شرق المدينة، البلدية تستأنف عمليات هدم المنازل، وتترك بعض سكانها في العراء في خضم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا.
24 أغسطس 2020
في أوائل أغسطس، مع اجتياح موجة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا مدينة القدس، تلقى وائل طحان، أحد سكان سلوان، أخيرا الرسالة التي كان يخشى منها دائما: تقرر هدم منزل عائلته القائم منذ ما يقرب من 30 عاما من قبل السلطات الإسرائيلية، التي قالت إنه تم بناؤه بشكل غير قانوني.
وقال طحان لـ”تايمز أوف إسرائيل”: “لقد حاولنا كل ما في وسعنا لجعله قانونيا، وفعلنا كل ما طلبته البلدية، وجلبنا مهندسا، وعملنا مع محامين، وذهبنا إلى المحاكم”.
في 8 أغسطس ، وصلت الجرافات ونفذت أوامرها، ما تسبب بتشريد 25 فردا من عائلة طحان الموسعة فجأة.
وقال طحان: “لقد عشنا جميعا معا في منزلنا الجميل هذا. الآن تحطم كل شيء، وانفصل الجميع عن بعضهم البعض”.
هذا العام صعدت السلطات الإسرائيلية بشكل كبير من عمليات هدم المنازل في شرقي القدس، على الرغم من جائحة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها. تم هدم حوالي 89 وحدة سكنية منذ بداية عام 2020، مقارنة بـ 109 خلال العام الماضي بأكمله. في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر أغسطس وحده، تم هدم 24 منزلا، وفقا لمنظمة “عير عميم” غير الربحية التي تركز على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في القدس.
وأفادت “عير عميم” أنه في 58 حالة من هذه الحالات، قام سكان شرقي القدس بهدم المباني بأنفسهم: وفقا لقانون من عام 2017 زاد العقوبات على البناء غير القانوني، يمكن فرض رسوم كبيرة على السكان مقابل أعمال الهدم، مما دفع الكثيرين إلى هدم منازلهم بأنفسهم بمجرد صدور القرار.
ولطالما ادعت بلدية القدس أنها تهدم المنازل عندما يقوم الفلسطينيون المقيمون في شرقي القدس ببنائها بشكل غير قانوني ودون تصاريح.
وقالت البلدية ردا على استفسار لتايمز أوف إسرائيل: “أوامر الهدم تنفذ بطريقة منصفة ووفقا لقرارات المحكمة”.
وتقول منظمات حقوقية إن الفلسطينيين الذين يسعون إلى بناء منازلهم بشكل قانوني يواجهون نظاما تمييزيا يتركهم دون أي خيار واقعي باستثناء البناء غير القانوني.
وبحسب “عير عميم”، تمت المصادقة على أكثر من 21 ألف وحدة سكنية في خطط هيكلية في القدس في عام 2019، لكن أقل من 8% منها كانت في أحياء فلسطينية، على الرغم من أن الفلسطينيين يشكلون 38% من سكان العاصمة. الخطط الهيكلية هي شرط أساسي للحصول على تصاريح البناء القانوني.
يقول داوود صيام، وهو ناشط محلي من سكان سلوان، “نريد البناء بشكل قانوني. نريد أن نتبع القانون. أولئك الذين يبنون منازلهم بشكل غير قانوني يفعلون ذلك رغما عنهم لأنهم لا يملكون خيارا آخر”.
سادت هدنة قصيرة خلال الموجة الأولى من الوباء، ولأول مرة منذ سنوات، أوقفت البلدية مؤقتا هدم منازل الفلسطينيين المبنية بشكل غير قانوني.
في ذلك الوقت، بدا هذا جزءا من نهج جديد لرئيس بلدية القدس موشيه ليون، الذي كان أشار إلى أنه يسعى إلى إقامة علاقة جديدة مع السكان الفلسطينيين في القدس، الذين تربطهم علاقة متوترة بالبلدية منذ فترة طويلة.
في فبراير، جمد ليون عمليات هدم المنازل في العيسوية بعد التشاور مع القادة المحليين، وزار الطفل مالك عيسى، الذي فقد عينه برصاصة مطاطية أطلقها عناصر من شرطة حرس الحدود، وقد أشاد نشطاء فلسطينيون برده على الموجة الأولى من جائحة فيروس كورونا.
في أواخر مايو، مع تراجع انتشار الفيروس، استأنفت البلدية عمليات هدم المنازل. ولكن بعد ذلك بدأت الموجة الثانية من الجائحة – التي كانت أطول بكثير وأكثر انتشارا من الأولى. يوجد في القدس الآن 3386 حالة إصابة نشطة بفيروس كورونا، وهو أعلى رقم في البلاد لموقع واحد.
ويواجه الفلسطينيون المقيمون في القدس الشرقية معدلات إصابة غير مسبوقة. وقد سجلت فحوصات كوورنا التي أجريت في الأسبوع الماضي بين سكان المدينة الفلسطينيين نسبة مذهلة من النتائج الايجابية بلغت 41%، مقارنة بمتوسط وطني يبلغ 7%، بحسب صحيفة “هآرتس”.
حتى مع تفاقم الأزمة، لم تعد السلطات إلى السياسة السابقة المتمثلة في وقف عمليات الهدم مؤقتا.
يقول صيام: “أعتقد أن ليون يهتم بسكان شرقي القدس، على عكس أسلافه”، وشبه ليون بأحد رؤساء البلديات الأكثر تقديرا في القدس، تيدي كوليك، حيث قال إن كلاهما سعى لبناء جسور عبر خط التماس.
“لكني أعتقد أن الأمر ليس بيده بالكامل. يجب أن يكون هناك قرار من الحكومة بشأن إصلاح الإهمال في شرقي القدس “.
يقول أفيف تاتارسكي، وهو باحث في “عير عميم”: “لقد أدركت الدولة بالفعل أن هذا ليس الوقت المناسب لهدم منازل المواطنين. أما لماذا اتخذوا قرارا بشأن سياسة معينة في مارس وسياسة أخرى الآن، فهذا سؤال يُطرح على الدولة”.
ورفضت بلدية القدس التعليق على ما إذا كان هناك تغيير في السياسة.
وقد تضرر اقتصاد شرقي القدس أيضا بشدة من الوباء. يعمل معظم سكان شرقي القدس في السياحة أو في قطاع الخدمات، وقد تعرض كلا هذين القطاعين لخسائر فادحة.
قال تاتارسكي: “في خضم أزمة اقتصادية، من الواضح أن خسارة منزلك يمثل ضربة مزدوجة”.
يعمل طحان سائق شاحنة قمامة وموظف بلدية، وظل عمله ثابتا أكثر من غيره، لكنه يقول إنه لا يستطيع تخيل شراء منزل جديد. انتقل أفراد عائلته للعيش في منازل أقارب مختلفين حول شرقي القدس.
يقول تاتارسكي أن هذه ظاهرة خطيرة من وجهة نظر الصحة العامة، ويرى إن ازدحام المزيد من الناس في وحدات سكنية أقل في شرقي القدس المكتظة والمزدحمة بالسكان أصلا، من شأنه أن يساهم في انتشار الفيروس.
وقال: “ما يحتاجه الناس الآن هو البقاء في منازلهم، لتجنب التواصل مع الآخرين حتى لا يصابوا بالعدوى. لكنهم لا يستطيعون العثور على منزل جديد على الفور، لذلك يذهبون للعيش مع أقاربهم. لذا تجد وحدات التي كانت تضم خمسة أشخاص، وتضم الآن 10 أشخاص”.
قد يجد سكان شرقي القدس الذين ليس لديهم عائلة قريبة أو مدخرات في البنك أنفسهم فجأة في الشارع وسط جائحة.
يقول إياد أبو صبيح، وهو من سكان سلوان، إنه كان يستعد للاحتفال بعيد الأضحى مع أسرته عندما قاطعته مكالمة هاتفية أبلغته أن منزله على وشك أن يهدم. لتجنب دفع رسوم الهدم، بدأ في هدم منزله بنفسه في صباح اليوم التالي.
ويتذكر أبو صبيح قائلا: “لم نحتفل بالعيد. بدلا من ذلك، تناثرت الملابس الجديدة التي اشتريناها كهدايا لأطفالنا في الشارع”.
يعيش أبو صبيح مع والدته وأبيه وستة أبناء الآن في خيمة مؤقتة في ما كان سابقا فناء منزلهم. ولم يعمل أبو صبيح، وهو صاحب صالون حلاقة صغير، منذ شهور منذ بداية الوباء، مما أدى إلى استنزاف مدخراته بشكل فعلي.
ويقول أبو صبيح إنه لو كان لديه أقارب في العاصمة، لكان بإمكان أسرته الإقامة معهم، لكن أقاربه يعيشون في مدينة الخليل بالضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وباعتباره من سكان القدس، فإنه يخشى أن يفقدوا التأمين الصحي وحتى بطاقات الهوية إذا غادروا المدينة.
يحمل الفلسطينيون في القدس “بطاقات إقامة” بدلا من الجنسية الإسرائيلية، والتي يمكن إلغاؤها إذا قررت الحكومة الإسرائيلية أن “مركز حياتهم” لم يعد في القدس.
الحل، وفقا لتاتارسكي، هو إيقاف عمليات الهدم فورا ووضع مخططات من شأنها تمكين البناء القانوني في المستقبل.
وقال تاتارسكي: “في الأساس ، يتعلق الأمر بما إذا كانت البلدية ترغب في السماح للفلسطينيين بالعيش والازدهار في القدس، تماما كما يفعل سكانها اليهود”.
لكن بالنسبة لسكان شرقي القدس مثل طحان، الذين تم هدم منزلهم بالفعل، قد لا تكون هذه النظرة على المدى الطويل إلا مجرد سلوى واهنة.
وقال طحان: “أنا أجلس بالفعل بين الحجارة وأنقاض منزلنا مع زوجتي وأولادي”.