انتفاضة القدس: العوامل والأسباب

انتفاضة القدس: العوامل والأسباب

أ.د. أحمد سعيد نوفل

إن التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى انتفاضة القدس الحالية ، فيه إجحاف بنضال الشعب الفلسطيني المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي . ولهذا فمن الأفضل عكس السوآل إلى الأسباب التي أخرت انطلاقة الانتفاضة طيلة السنوات الماضية ؟ لأنه من الطبيعي لأي شعب يرزخ تحت الإحتلال، أن ينتفض ويقاوم المحتل ، كما هو حاصل لدى الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذين انتفضوا ضد  طلبا للحرية وإزالة الإحتلال .

ومن خلال استعراض ممارسات سلطات الاحتلال والمستوطنين ، واقتحاماتهم المتكررة للمسجد الاقصى وممارسة طقوسهم الدينية في باحاته ، وانسداد أفق التسوية عن طريق المفاوضات ، والوضع السائد في الدول العربية ، لم يعد أمام الفلسطينيين إلا الثورة على المحتل . ولهذا فإن انتفاضة القدس هي أمر طبيعي تأتي في سياق الرد على ممارسات المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي ، ووقف التهويد والاستيطان وهدم المنازل وبناء سور العزل العنصري الذي يحاصر القدس والمدن الفلسطينية التي من المفروض أن تشكل الدولة الفلسطينية . والغريب في الأمر ، أن الإعلام الإسرائيلي كان قد توقع اندلاع انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال والمستوطنين منذ سنوات. وقبل تحليل العوامل التي هيأت لانتفاضة القدس الحالية، سيتم التطرق إلى مؤشرات الموقف الإسرائيلي من احتمال حدوث الانتفاضة .

مؤشرات إسرائيلية للانتفاضة

توقعت وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ سنوات اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية والقدس، بسبب ممارسات السلطات الإسرائيلية والمستوطنين . وعند كل اعتداء من قبل المستوطنين على الفلسطينيين كانت التوقعات تزداد من حدوث انتفاضة. ولهذا فإن مؤشرات الانتفاضة ليست جديدة، بل بدأت منذ مطلع العام /2008 حيث ذكرت صحيفة هآرتس العبرية الجمعة 3 / 10 / 2008 أنه “بعد مرور 8 سنوات على انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإن بوادر نشوب الانتفاضة الثالثة تبدو في الأفق بسبب استياء الفلسطينيين من ما تقوم به دولة الاحتلال من إجراءات على الأرض”.[1]

وتساءل معلق إسرائيلي عن الأسباب التي تدفع الفلسطينيين للقيام بانتفاضة جديدة ، وقال  آفي يسسخروف في جريدة  هآرتس 5/9/ 2008 ” للحظات في اثناء الحديث مع حسام خضر أحد زعماء فتح البارزين في نابلس والذي أطلق سراحه ،  كان يخيل أنه حتى السنوات الست في السجن لم تنجح في ان تلين موقفه . فخضر لا يخفي المقت الذي يشعر به تجاه الاحتلال الاسرائيلي، وتوقعه يبدو قاتما، وكذا في الشكل الذي يفحص فيه الوضع الحالي: “الوضع اسوأ من أي وقت مضى، صحيح ان ابو مازن نجح في السيطرة على الوضع الامني في رام الله، نابلس وجنين، ولكن في غضون لحظات قد يقع هنا انقلاب آخر للناس ضد السلطة، فالسلطة لم تنجح في أن تحقق شيئا في اطار المفاوضات في الفترة الاخيرة. منذ سنتين وابو مازن يدير محادثات دون جدوى، أجهزة الامن تعمل بكامل النشاط كي تعيد النظام الى الشوارع، ولكن ايضا كي تحافظ على أمن المواطن الاسرائيلي، بينما اسرائيل لا تعطي شيئا بالمقابل”. واضاف “بعد ذهاب ابو مازن لن يكون هناك واحد مثله، فهو يؤمن اكثر من أي شخص آخر في السلطة بالمفاوضات وبالمسيرة السلمية، وكل رئيس بعده سيكون له خياران فقط: إما الاستقالة او الانتفاضة العسكرية، ولكن الانتفاضة التالية لن تكون انتفاضة حجارة، ولا حتى انتفاضة انتحاريين، بل انتفاضة صواريخ وربما وسائل كيماوية”.[2]

وكانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الواسعة الانتشار ، من أكثر الصحف التي تنبأت بحدوث الانتفاضة ، مستندة إلى مواقف النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية . وذكرت مع بداية الأحداث إلى أن ” بعض النشطاء الفلسطينيين لا يخفون غضبهم من تعديات إسرائيل على المصالح القومية الفلسطينية العليا وعدم رضاهم عن كيفية إدارة وعمل السلطة الفلسطينية في الوقت الراهن و”أن من علامات عدم رضا بعض قادة “فتح”، دعوة ما أسمته “رئيس تحالف السلام الفلسطيني”، قدورة فارس، للرئيس أبو مازن لوقف المفاوضات مع إسرائيل فوراً”.  [3]

 

وتنبأ الكاتب الإسرائيلى المتخصص فى الشئون العربية بصحيفة هاآرتس تسيبى بارئيل، بوقوع      ” انتفاضة ثالثة فى أى وقت” منذ عام 2009. وقال “إن الانتفاضة الثالثة قادمة لا محالة بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن القيود التى تفرضها إسرائيل وتجعل من المستحيل العثور على عمل، فضلا عن ارتفاع معدل البطالة عموما، والحصار المفروض على الأراضى الفلسطينية وغياب الأمل نحو حياة أفضل، وكل ذلك يؤدى إلى الإجهاد الذهنى والأمراض النفسية المزمنة ” [4] .

وقال بارئيل ” إن أسباب الانتفاضات السابقة لا تزال موجودة، وأولها أن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لا تسير على ما يرام، وثانيها عدم تحقق التطلعات الوطنية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة حتى الآن، سواء بسبب عدم وجود شريك فى المفاوضات، لأن القيادة الفلسطينية غير قادرة على اتخاذ القرارات العملية بالإضافة للوضع الاقتصادى المتدهور بالرغم من تحسنه بعض الشىء من حين لآخر، ولكنها لا تزال بعيدة عن توفير مستوى معيشى كالذى كان شائعا فى الأراضى الفلسطينية قبل الانتفاضة الثانية” [5]

وركز الكاتب الاسرائيلي سيفر بلوتسكر على مبررات الانتفاضة لأسباب اقتصادية صعبة يعيشها الفلسطينيون ، وكتب في صحيفة يديعوت احرونوت “الاحصاءات واضحة ومخيفة: في كل مرة يصل فيها مستوى المعيشة في الضفة الغربية الفلسطينية الى ذروة جديدة، تندلع انتفاضة تعيد دولاب التطور الاقتصادي ثانية الى الوراء. هكذا كان في اريحا، محلات جديدة تفتح، مقاهي مليئة، بطالة تنخفض، ومر في 1987، هكذا في 2000، وهكذا … الان ايضا. أوجه الشبه مقلقة، مرة اخرى، مثلما قبل 22 سنة، وقبل تسع سنوات، الاقتصاد الفلسطيني يجمل فترة نمو مثيرة للانطباع، مرة اخرى، مثلما عشية اندلاع الانتفاضتين السابقتين، تبلغ وسائل الاعلام بتوسع وبفرح عن معجزة اقتصادية في نابلس، وفي رام اللة . الرأي العام الاسرائيلي يميل الى التصديق بان المشكلة الفلسطينية بلغت حلها في الواقع القائم، فما الذي يمكن للفلسطينيين ان يتطلعوا اليه اكثر حين يكون لديهم حكم ذاتي متقدم ومستوى معيشة مرتفع تحت حكم السلطة الفلسطينية في اعوام 1995 – 2000 بوتيرة 8 حتى 10 في المائة في السنة، ورغم السلام الاقتصادي الرائع هذا كان يكفي اشتعال استفزازي هامشي وضئيل لاشعال الانتفاضة والارهاب، اللذين دهورا مستوى المعيشة الفلسطينية لجيل كامل الى الوراء واحدثا اضرارا بالاقتصاد الاسرائيلي، الكازينو في اريحا يقف على حاله، فارغا ومهجورا، كدليل حي على فشل المحاولة لاستباق التطبيق الاقتصادي على التسوية السياسية”. [6]

وأعاد الكاتب الإسرائيلي يرون لندن في مقالة له بعنوان”  الحرم :الانفجار على الطريق” أسباب موجبة لانتفاضة جديدة، لممارسات المستوطنين الإسرائيليين في الأقصى وكتب يقول ” أن الانفجار القادم  سيكون في الاقصى، “لأنه من السهل جدا اثارة جموع المسلمين بحجة أن اسرائيل تتآمر على هدم مساجد الحرم، في نظر يهود كثيرين، هذه المباني هي مجرد أمر كريه نصبه المدنسون في مكان المذبح في الهيكل. هذا ليس برهانا على أن اسرائيل تتآمر على هدم المقدسات الاسلامية، ولكن هذا يكفي كي يقض مضاجع المؤمنين، لا يوجد يهود يعلنون بان في نيتهم القيام بعمل ما فورا، ولكن سبق أن كان هناك من حاولوا وهم يتجولون في اوساطنا احرارا من القيود. يهودا عتصيون، الذي ينتمي الى زعماء “التنظيم اليهودي السري” وتآمر لتفجير قبة الصخرة، لم يعد يفكر ان في وسعه تغيير التاريخ بقواه الذاتية. وهو ينتظر صحوة الدولة. في مقابلة مع  موقع على الانترنت قال ان تفجير قبة الصخرة لا بد سيأتي، اذا لم تتمكن الدولة من تفكيك المبنى ونقله الى مكة كبادرة طيبة تجاه محمد. وقبل بضعة اشهر فقط تحدثت بارتياح مع غيرشون سولمون زعيم “امناء جبل الهيكل”، الذي يتبنى هو أيضا رؤيا النقل: تفكيك المساجد من قبل مهندسي الجيش الاسرائيلي وتسفير حجارتها الى مكة حيث ستجد مكانها ضمن المباني المعادة. سولمون هو رجل لطيف المعشر، مثقف، معاق من الجيش الاسرائيلي يجر نفسه سنوات طويلة صاعدا الى جبل مورية. هدوءه النفسي يثير الرعب. هذه سكينة لاناس لا يشكون أبدا في طريقهم” .[7]

يلاحظ مما سبق أن الإسرائيليين كانوا يتوقعون انتفاضة جديدة منذ سنوات للأسباب المشار إليها أعلاه . ولهذا فإنه من الطبيعي ــ ما دام العدو كان يتوقع الانتفاضة ــ أن ينتفض المواطن الفلسطيني الذي لم يعد بمقدوره السكوت والاستمرار على تحمل استمرار الاحتلال والاستيطان.

وسنتناول العوامل التي أدت إلى اشتعال انتفاضة القدس ، وهي ممارسات سلطات الاحتلال والمستوطنين ، والإعداءات المتكررة على المصلين والمسجد الأقصى ، وفشل المفاوضات وانسداد عملية التسوية والتنسيق الأمني ، والوضع العربي .

أولا ) اتساع الاستيطان وممارسات سلطات الاحتلال والمستوطنين

بدأت انتفاضة القدس على أثر  مقتل مستوطن وزوجته بهجوم نفذه فلسطينيان على سيارتهما قرب مستوطنة إيتمار بالقرب من قرية عورتا جنوب نابلس. بعد أسابيع من إشعال المستوطنين النار في منزل عائلة دوابشة الفلسطينية في 31 /7/2015 في قرية دوما. وكان قد استشهد الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير قبل أشهر في مدينة القدس بعد خطفه على يد المستوطنين وإشعال النار فيه.

وهو ما أدى إلى تصاعد أعمال المقاومة الموجهة ضد الإسرائيليين. وتضمن العام الماضي عددًا من الأحداث التي اتسمت بصفة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي قابلها الجانب الإسرائيلي بأعمال عنف مضادة، من بين هذه الأحداث كان إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والذي استمر ثلاثة أشهر . ونفذ المستوطنون 11 ألف اعتداء على الفلسطينيين خلال السنوات العشر الماضية إضافة إلى أكثر من ألف اعتداء خلال الأشهر الأخيرة . [8]

ويتكرر المشهد الاستفزازي على الحواجز من قبل جنود الإحتلال ضد الفلسطينين ، بهدف  فرض عقاب جماعي عليهم وإعاقة حركتهم. وكثيرا ما يتداول المواطنون مقاطع وصور لأعمال تنكيل وضرب وحشي لشبان أثناء توقيفهم على الحواجز دون أن يشكلوا أي خطر على جنود الاحتلال. ويعكس هذا السلوك نزعة التطرف التي تسيطر على جنود الاحتلال، وهو انعكاس لعقيدة جيش الاحتلال، القائمة على أنشطة التثقيف والتعبئة في الجيش الإسرائيلي الصهيوني التي تحتكرها جماعات دينية وحاخامات يفتون بذبح الفلسطينيين . وتشير الإحصاءات إلى أن قوات الاحتلال نصبت في الآونة الأخيرة 152 حاجزاً  مفاجئا جديدا في الضفة الغربية.

وهذا دليل على أن ممارسات المستوطنين ضد الفلسطينيين وزيادة المستوطنات تأتي بتنسيق كامل مع الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي . وتلك الممارسات لعبت دورا فعالا في اشتعال الانتفاضة . لأن الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغريبة ، وتشجيع حكومة نتنياهو للمستوطنين والاستيطان ، كانت تحدث من دون استجابة سلطات الاحتلال للقرارات الدولية التي تدين الاستيطان . فقد زادت نسبة الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة إلى 40% عام 2014 عن الأعوام الماضية . وبلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية 185 مستوطنة يقطنها حوالي 800 ألف مستوطن. وهذا العدد يعتبر أكثر من عدد اليهود في فلسطين عند قيام إسرائيل عام 1948.

وأثر بناء جدار الفصل العنصري تأثيرا سلبيا كبيرا على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للشعب الفلسطيني ، مما جعل فئة كبيرة من الفلسطينيين يعيشون في كانتونات معزولة عن بعضها البعض . لأن إسرائيل ضمت في طرفه الغربي المواجه لها، عشر مستوطنات مقامة في الأراضي الفلسطينية ، وحوالي أثنى عشر ألف فلسطيني في خمس عشرة قرية فلسطينية ، مما يعني أن تلك القرى باتت معزولة كلية عن باقي الضفة الغربية . وساهم الجدار إلى عزل وتشتيت وإفقار الفلسطينيين في المناطق المتضررة . ووجد خمسة وتسعين ألف فلسطيني ، أي ما يعادل 4,5% من سكان الضفة الغربية ( باستثناء القدس الشرقية ) ، أنفسهم معزولين عن بقية الأراضي الفلسطينية ومحصورين بين الجدار والخط الأخضر . كما أن الفلاحين الفلسطينيين المجاورين للحاجز ، لا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم على الجهة الشرقية من الجدار  لزراعتها،  إلا من خلال المعابر الإسرائيلية . وتشير التقديرات إلى أن الأضرار التي لحقت بمحافظات جنين وطولكرم وقلقيلية ، بلغت 110 مليون دولار ، وبنسبة 58% من البنية التحتية ، و23% في الممتلكات الخاصة و21% في الأراضي الزراعية . والمعروف أن 73% من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية موجودة في المحافظات الثلاث .

وألحق الجدار العنصري الذي انتقدته محكمة العدل الدولية ، أضرارا بثلاثة وخمسين تجمعا فلسطينيا يضم حوالي 141,800 نسمة في منطقة جنين وطولكرم وقلقيلية التي تضم نصف مليون فلسطيني (24.4% من سكان الضفة الغربية البالغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين و600 ألف). وشملت الأضرار تدمير حوالي ثلاث وثمانين ألف شجرة زيتون وفواكه و37 كيلو متر من شبكات الري و15 كيلو متر من الطرق الزراعية ، وعزل 238,350 دونما من الأراضي الواقعة بين الخط الأخضر والجدار مع العلم أن 57% من تلك الأراضي مزروعة بالزيتون والمحاصيل الأخرى .

وأدى الجدار ، إلى مصادرة أراض فلسطينية زراعية بالإضافة إلى تجريف وقطع الأشجار ، حيث يتكون جدار الفصل من خطين متوازيين يبعد كل منها عن الآخر مسافة (17-20م) ولذلك صادر كل الاراضي وتقطع جميع الاشجار الواقعة بين الخطين، أما الأراضي الواقعة خلف الجدار في الضفة الغربية ، فسيسمح لأصحابها بالدخول إليها بتصاريح صادرة عن قوات الاحتلال ، وفي ساعات معينة. وهكذا فإن المرحلة الاولى من جدار الفصل التي بدأت ، استلزمت مصادرة  80 كم 2 من أراضي (23) قرية فلسطينية، ووضعت (11) قرية فلسطينية خلف جدار الفصل بسكان يبلغ عددهم 26 الف نسمة ، سيتحكم فيهم الحكم العسكري وسيكون لهم وضع خاص بالدخول والخروج ، ضمن أوامر إطلاق النار .

أمام بناء الجدار العنصري واستمرار الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية ، أصبح من الطبيعي أن يثور الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ، لما للجدار العنصري والاسيطان من آثار مدمرة عليه.

ثانيا) الإعتداء على الأقصى والمصلين وتهويد القدس

بات من الصعب على الفلسطينيين أن لا ينتفضوا ضد استمرار اقتحامات المستوطنين  باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات حول القدس . خاصة مع زيادة في عدد الاعتداءت الاستفزازية والتي بلغت ما بين عامي 2009 و2014 بحوالي 92% وفق تقرير للشرطة الإسرائيلية.  فيما اقتحم الأقصى حتى أواخر شهر نيسان/أبريل من عام 2015 ما يزيد على 4000 متطرف وعنصر من القوات الخاصة والمجنّدين. وعقدت لجنة الداخلية في الكنيست ما يقارب 15 جلسة خلال عام 2014 للتباحث في “تأمين حق اليهود في الصلاة في جبل المعبد” ودور الشرطة في حماية الاقتحامات وتسهيلها. وتشكلت لجنة فرعية في الكنيست الإسرائيلي لمتابعة التزام الشرطة الإسرائيلية بتطبيق قرارات حكومات الاحتلال بشأن الساعات المخصصة لاقتحامات المستوطنين. ولا يختلف المشهد في الأقصى خلال الأشهر الأولى من عام 2015 كثيرًا عن الأعوام السابقة من اقتحامات وتحريض على اقتحام المسجد ودعوات تطلقها “منظمات المعبد” لتأمين صلاة اليهود في الأقصى، بالإضافة إلى اعتراض بعض أعضاء الكنيست على أعمال الصيانة التي تقوم بها دائرة الأوقاف في المسجد. وتزايدت حالات الاعتداء على المرابطات الفلسطينيات من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال ، خاصة بعد إعلان سلطان الاحتلال عن تشكيل “وحدة الشرطة النسائية الخاصة” الموكل إليها اعتقال المرابطات في الأقصى، وتنفيذ سياسات التضييق عليهنّ بعدما أثبتن دورهنّ الكبير في الدفاع عن الأقصى.

وتفرض إسرائيل قيودا صارمة على المصلين المسلمين لمنعهم من الوصول إلى الأقصى، ضمن أعمار معينة وأوقات محددة. بهدف فرض سيطرة كاملة على الأقصى والقدس القديمة، تمهيدا لتقسيمه زمانيا ومكانيا كما فعلت من قبل في المسجد الإبراهيمي في الخليل. وصعدت سلطات الإحتلال في السنوات الأخيرة من سياسة الإبعاد عن الصلاة في الأقصى لبعض الشخصيات الوطنية وفرض الغرامات عليهم( رائد صلاح ) . وتهدف إسرائيل من سياستها تلك، اقتطاع أوقات محددة لدخول المستوطنين واقتحامه والصلاة في باحاته من بوابة المغاربة وإحكام السيطرة عليه تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه . وتزداد تلك الإعتداءت خلال الأعياد الدينية لليهود التي تغلق فيها بوابات الأقصى أمام المصلين الفلسطينيين وتفتح لليهود .[9]

كما تفرض سلطات الاحتلال  قيودا على مواطني القدس العربية الذين يعيش 75% منهم تحت خط الفقر نتيجة لسياسات الإفقار والحصار التي تتبعها سلطات الاحتلال من حيث الضرائب والقيود التي تجعل الاقتصاد المقدسي تابعًا لإسرائيل. وتعمد إسرائل على تشريد المقدسيين عبر هدم منازلهم التي شيدوها من دون ترخيص يعتبر الحصول عليه من المشقّات أو المستحيلات في القدس. وقد هدم الاحتلال في عام 2014 فقط ما يزيد على 214 منشأة، منها 87 منزلاً أدت إلى تشريد حوالي 200 فلسطيني. كما أن سحب الهوية المقدسية هو من الأمور الثّابتة في مشروع التهويد الديموغرافي حيث سحب الاحتلال حوالي 14,309 بطاقة إقامة ما بين عامي 1967 و2013. كما فرض الاحتلال حدودًا جديدة في القدس بموجب جدار الفصل العازل الذي أخرج ما يزيد على 100,000 مقدسي إلى خارج حدود بلدية الاحتلال. وتطال إجراءات الاحتلال وممارساته كل أهل المدينة، مسيحييها ومسلميها، ومقدساتهم، وكل نواحي حياتهموأصبحت الحواجز في كل مكان، خاصة في المناطق المحيطة بجبل المكبر وسلوان وشعفاط والبلدة القديمة وباب العامود، حيث عزلت مناطق عن أخرى وخلقت واقعا جديدا في المدينة المقدسة لتضييق الخناق على سكان القدس العربية وإجبارهم على مغادرتها.

ولجأ الاحتلال الصهيوني ، الى سياسة ممنهجة لتغيير معالم المدينة العربية والتضييق على الفلسطينيين ليتركوا مدينتهم ، وجلب المستوطنين الصهاينة ليسكنوا المستوطنات التي تحيط بالمدينة من جميع الجوانب  . ومن تلك السياسة:[10]

1 – سن التشريعات والقوانين العنصرية التي تعطيها الحق في استملاك العقارات ومصادرة الأراضي عبر مختلف الوسائل وبشتى اساليب الاحتيال والتزوير .

2- إقامة المستوطنات من جميع الجهات حول القدس وبداخل المدينة المقدسة ، لعزلها عن بقية المناطق المحتلة في الضفة الغربية .

3- سياسة هدم الأبنية والمنازل الفلسطينية في القدس ، وهناك نحو عشرين الف منزل مقدسي مهددة بالهدم بذرائع  مختلقة. مقابل منع للعرب بالبناء، من خلال عدم منحهم التراخيص اللازمة او من خلال  الرسوم الباهظة جدا التي لا يستطيعون تحملها.

4- ادماج السكان العرب بالأنظمة الاجتماعية والصحية والعمالية الاسرائيلية، ومعاملتهم كأقلية في المدينة، وفرض قوانين عنصرية من أجل التضييق عليهم لترك المدينة، وتطبيق الأنظمة الضريبية الاسرائيلية.

5 – فرض الحصار والاطواق والحواجز والاجراءات القمعية الاسرائيلية المتنوعة على الفلسطينيين.

6 –  سحب الهويات من آلاف المواطنين المقدسيين واجبار الآلاف على التجنس بالجنسية الاسرائيلية.

7 – الاعتداء على الأماكن المقدسة من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين ، والتدخل في الشؤون الدينية الاسلامية والمسيحية.

ونقلا عن إحصائيات صادرة عن بيت الشرق في القدس ، فقد باتت مساحة القدس بالمعطيات الجديدة كما يلي:

4% ما تبقى للعرب من الارض للتصرف به.

10% مناطق عربية مأهولة.

6% للشوارع لربط المستوطنات.

73% أراض مصادرة حالياً وقد اقيمت عليها المستوطنات والمناطق الخضراء التي تشكل ايضا احتياطا استيطانيا.

7% أراض خاضعة للمصادرة.[11]

وتطبيقا لسياسة إقامة المستوطنات ومصادرة الأراضي ، فقد قام الاحتلال الإسرائيلي ببناء المستوطنات  حول القدس من جميع الجهات ، ومصادرة 35%من مساحة القدس الشرقية . وأنشأ (15) مستوطنة إسرائيلية فيها  59 ألف وحده سكنية، أحاطت بمدينة القدس من جميع الجهات لكي يفصلها عن بقية المناطق مع الضفة الغربية، لتمنع تواصل الفلسطينيين مواطني القدس مع مواطني الضفة الغربية. [12]

ولهذا فإن اغلبية الفلسطينيين تؤيد أي طريقة للمقاومة من اجل الدفاع عن مسجد الأقصى وأن الطريقة الافضل لتحقيق هذا الهدف هي المقاومة الشعبية التي هي كلمة السر لاستخدام جميع الاساليب العنيفة التي لا تشمل السلاح الحي: الطعن، رشق الحجارة، الزجاجات الحارقة والدهس.

ثالثا ) فشل المفاوضات وانسداد عملية التسوية

توقفت المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية منذ مطلع عام 2014 بسبب رفض السلطة الفلسطينية الاستمرار فيها من دون وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة . علما أن المفاوضات كانت قد توقفت من قبل عدة مرات ، وأعيدت بسبب الضغوطات الأمريكية على الفلسطينيين من دون أن تنجح إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بإقناع الإسرائيليين بوقف الإستيطان . وتوجهت السلطة الفلسطينية إلى الإنضمام لمحكمة الجنايات الدولية وانتزاع اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في ظل رفض اسرائيلي واعتبار ذلك خطوة من جانب واحد، كما أن حكومة نتنياهو اليمينية استمرت بطرح عطاءات توسيع البناء في مستوطنات الضفة الغربية ولم تستجب لطلب وشروط السلطة من اجل العودة إلى طاولة المفاوضات وهي تجميد الاستيطان وكذلك الإفراج عن أسرى من السجون الإسرائيلية، وأن يكون هناك سقف زمني محدد لإنهاء المفاوضات.

وعبر نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة في الأول من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2015 صراحة عن موقف اسرائيل من التسوية مع الفلسطينيين برفضه قيام دولة فلسطينية في الوقت الحالي وطالب بتأجيل البحث فيها خلال الـ20 سنة القادمة. وأنه لا انسحاب من الأغوار، ولا وقف للاستيطان، وعلى الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية»، وبـ»القدس عاصمة أبدية» لها. ممأ أكد على أن عملية التسوية مع الفلسطينيين قد فشلت ووصلت إلى طريق مسدود . وتأكد الشعب الفلسطيني أن المفاوضات التي مضى عليها أكثر من عشرين سنة لم تحقق له أي نتائج إيجابية. وأن الإحتلال مستمر تحت غطاء المفاوضات بناء المزيد من المستوطنات.

وأثبتت انتخابات الكنيست الأخيرة التي جرت في شهر آذار/مارس 2015، أن المجتمع الإسرائيلي بات أكثر تطرفا من أي وقت مضى ، ويتجه نحو اليمين المتطرف بسبب نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في تلك الانتخابات وعلى رأسها حزب الليكود برئاسة نتنياهو، وتشكيل الحكومة بتحالف الأحزاب اليمينة المتطرفة، كحزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بنت وحزب شاس بزعامة أرييه درعي، وحزب معا بزعامة إيلي يشاي. وترفض هذه الأحزاب الإنسحاب من الضفة الغربية وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وتشجع الإستيطان في الأراضي الفلسطينية .

وتأكد الشعب الفلسطيني أن عشرين سنة من المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية لم تحقق له ما يريد من وقف الاسيطان وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. وأن قضيتهم تتراجع يوما عن يوم من الاهتمامات العربية والدولية. وأن أفق التسوية مسدود ولا بد من البحث عن وسائل أكثر تأثيرا على إسرائيل لكي تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وذلك عن طريق الانتفاضة الشعبية .

 

رابعا) التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل

أثار اعتراف السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع قوات الإحتلال الإسرائيلي الرأي العام الفلسطيني واعتبروه بمثابة جريمة وطنية بحق الشعب الفلسطيني ونضاله الطويل ضد المشروع الصهيوني. لأنه لا يجوز لأي سلطة من المفروض أنها تمثل شعبها بالتنسيق الأمني مع عدو شعبها الذي يحتل أرضها ويمارس شتى أنواع القتل والإرهاب ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وإذلال المواطنين، بالتنسيق الأمني معه ضد شعبها. والتنسيق الأمني يستهتر بكل التضحيات الفلسطينية عبر السنين، ويدوس على المعاناة والآلام والأحزان الفلسطينية، ويضع الفلسطيني في مواجهة الفلسطيني، ويبعث البغضاء والكراهية بين المواطنين. ويمزق الصفوف، ويشتت الجهود، ويؤثر سلبا على المستوى الأخلاقي الذي ينحدر إليه الشخص الذي يقاوم من يريد مقاومة الاحتلال.مأساة عظيمة أن يتحول الفلسطيني إلى حارس على أبواب مملكة إسرائيل، ولسان الحال يقول إنه إذا كان ثمن الدولة الفلسطينية أن يعتقل الفلسطيني أخاه الفلسطيني دفاعا عن الأمن الإسرائيلي فنحن شعب فلسطين لا نريد هذه الدولة، وليذهب الباحثون عنها إلى الجحيم.” [13]

وكانت رسالة ياسر عرفات إلى اسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ، والتي صدرت قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، قد نصت على تعهد منظمة التحرير الفلسطينية بملاحقة ” الإرهاب والإرهابيين ” . ونص اتفاق أوسلو بعد ذلك ، على إقامة تنسيق أمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون أن يدخل بتفاصيل. وأضاف الاتفاق أن إسرائيل مسؤولة عن الأمن الإجمالي في الأراض المحتلة عام 1967 . مما أعطى إسرائيل حق الدفاع عن هذه الأرض ضد أي عدوان خارجي، وحق العمل الأمني فيها في أي وقت تشاء. مع قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 في غزة وأريحا، قالت إسرائيل إن توسيع الرقعة الجغرافية لعمل السلطة الفلسطينية مرتبط بأداء السلطة الأمني، ومدى قدرتها على ضبط الأمن لصالح إسرائيل. هذا كان يعني قدرة السلطة على ملاحقة الإرهاب والإرهابيين، أي منع أعمال المقاومة ضد إسرائيل.

وجاءت اتفاقية طابا لعام 1995 لتضع توضيحا للتنسيق الأمني بحيث نصت على أن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن منع الإرهاب والإرهابيين واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم، أي على السلطة الفلسطينية منع المقاومة الفلسطينية. ونصت الاتفاقية أيضا على ضرورة امتناع السلطة الفلسطينية عن ملاحقة من عملوا مع إسرائيل على مدى السنوات، وعلى عدم الإضرار بمصالحهم الشخصية مثل الطرد من الوظيفة. لقد ألزمت الاتفاقية السلطة الفلسطينية بملاحقة المقاومة وبغض الطرف عن العملاء والجواسيس.

ونصت اتفاقية طابا كذلك على أن جهاز الشرطة الفلسطيني هو الجهاز الأمني الوحيد المصرح به في الأرض المحتلة/67، وأن التنسيق الأمني يجري عبر لجنة فلسطينية إسرائيلية مشتركة. تقوم بالإشراف على الدوريات المشتركة الفلسطينية الإسرائيلية معا لضمان أمن الطرق عبر المدن الرئيسية.وملاحقة المقاومة وسلاحها الموجود عند التنظيمات الفلسطينية والقضاء على بنيتها التحتية، وعتقال من يشتبه بهم من الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال وأخذ معلومات منهم عن المقاومة وأنصارها تحت التعذيب . وخلق حالة من الخوف لدى الفلسطينيين بسبب وجود المخبرين ومندوبي أجهزة الأمن في المدن والقرى الفلسطينية الذين ينقلون المعلومات التي يحصلون عليها للإسرائيليين. وألقت إسرئيل القبض على العديد من الفلسطينيين نتيجة المعلومات التي حصلوا عليها من الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وبشعر الفلسطينيون أنهم مراقبون من قبل سلطات الإحتلال ومن قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

وتعترف إسرائيل بأن وقف التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية سيقود الى تدهور خطير بالاوضاع الامنية في الضفة الغربية والقدس. كما اعترف اللواء ماجد فرج  مدير المخابرات الفلسطينية ، بأن التنسيق الأمني ساهم في إفشال 200 عملية فلسطينية مسلحة ضد إسرائيل .[14]

خامسا ) الوضع العربي

أيقن الفلسطينيون في الأراضي المحتلة ، أن الدول العربية مشغولة بمشاكلها الداخلية والإقليمية وعليهم أن يعتمدوا على أنفسهم في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي . ويشبه ذلك ما كن الوضع العربي عليه عند الانتفاضة الأولى عام 1987 ( انتفاضة الحجارة ) .  عندما انعقد مؤتمر القمة العربي في عمان وركز على الحرب العراقية الإيرانية وعودة مصر للصف العربي بعد طردها من جامعة الدول العربية. وخلى البيان الختامي للقمة من أي إشارة للقضية الفلسطينية . وشعر الفلسطينيون أن الدول العربية قد تجاهلت قضيتهم ، وأنه عليهم الاعتماد على أنفسهم في مقاومة الإحتلال والبحث عن حل لقضيتهم . وهذا ما حدث في انتفاضة القدس ، بضرورة الاعتماد على أنفسهم بدلا من انتظار الدعم الرسمي العربي الذي تركهم طيلة سنوات الإحتلال يواجهون المحتل بأنفسهم ويدافعون عن الأقصى بمفردهم.

وكان من العبث انتظار الدعم الرسمي العربي الذي لم يأت . ومع أن القول بأن الوضع الداخلي العربي لا يسمح بتدخل رسمي عربي ضد إسرائيل فيه مبالغة كبيرة . وكأنه لو كانت الدول العربية لا تواجه ما تواجهه الآن من عدم استقرار لكان لها موقف داعم أفضل ، وأن الجيوش العربية كانت تستعد لتحرير القدس والأراضي الفلسطينية ، ولكن انشغالها بالربيع العربي أوقف هذا الامر.

إن الصمت العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية يعتبر احيانا افضل بكثير من التحرك العربي، لان الصمت العربي لا يضر القضية الفلسطينية بقدر ما يضرها التدخل العربي لوقف الانتفاضة. ووقف مقاومة الفلسطينيين للاحتلال وتهويد القدس ومنع المصلين من الصلاة في الأقصى. وتريد الدول العربية أن تبقى الأمور على ما هي عليه ، أي العودة إلى استمرار الاحتلال من دون أن تدفع إسرائيل ثمنا باهظا . ماذا يعني ان تبقى الأمور كما هي عليه هذه قضية خطيرة، عندما تتحدث السلطة الفلسطينية أو جامعة الدول العربية عن المحافظة على الوضع الراهن. ماذا نعني بالوضع الراهن، إنه يعني استمرار الإحتلال والإعتداءات والاستيطان . وهو وضع مأساوي لا يمكن السكوت عليه. لأن القدس تهودت وهذا ليس جديدا، لكن انتفاضة القدس تقاوم وبدل ان تدعم هذه الانتفاضة في الوقت الذي هب فيه للشعب الفلسطيني ضد ما يحدث نجد السلطة الفلسطينية ودول عربية تريد المحافظة على الوضع الراهن. وتذكيرا بالتدخل الرسمي العربي في ثورة 1936 وصولا إلى انتفاضة القدس ، لم يخدم هذا التدخل القضية الفلسطينية.

وإذا أرادت الدول العربية منع المستوطنين من الصلاة في القدس والمحافظة على ما تبقى من عروبة القدس يجب دعم الانتفاضة لا ان تطالب بوقفها. لأن العودة إلى ما كانت عليه سابقا، يعني بالتأكيد  ان يعود الاستيطان والممارسات الاسرائيلية الممنهجة ضد الفلسطينيين ، الامر الذي يعني ضرورة دعم الانتفاضة وليس الخضوع للضغوطات الأمريكية لوقف الانتفاضة .

ويعرف أبناء الضفة الغربية القابعون تحت الإحتلال الإسرائيلي أكثر من غيرهم طبيعة الممارسات الإسرائيلية ضدهم مما يدفعهم للثورة ، لأنهم يعانون من المتطرفين الصهاينة ومن حكومة نتنياهو اليمينية .

الوضع السياسي والاقتصادي

ويبدو أن الفلسطينين من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد لعب دوراً جوهرياً في ذلك . وأن 57% من الفلسطينيين يدعمون اندلاع انتفاضة مسلحة وأن 80% من الفلسطينيين مقتنعون بأن القضية الفلسطينية ليست على لائحة اهتمامات العرب. ويذكر أن خطاب محمود عباس بالأمم المتحدة في 30 سبتمبر 2015 أعتبر سياسياً على أنه نهاية لمرحلة  وهو المطلب الذي أجمعت عليه معظم الفصائل الفلسطينية.ان الاحتلال لا يفهم إلا لغة واحدة وأن الشباب الذين ضاق بهم الحال جراء الملاحقة والاعتقال قرروا حواره بلغته الخاصة. مشيرًا إلى أن الاحتلال لا يدرك القيمة الدينية للمقدسات عند المسلمين. وبلغ الإحباط عنده مداه في ظل هذه الممارسات وكذلك انسداد أي أفق أمامه ليحقق أحلامه نحو حياة كريمة الذي لم يجد إلا القهر والفقر والظلم، وللتخلص من هذا الواقع كان لابد له من الهروب للأمام في مواجهة من كان سبب كل معاناته ألا وهو الاحتلال، وبذلك يتخلص من الخوف بعد سني القمع والملاحقة.

لقد جاءت انتفاضة القدس لأن الفلسطينيين كانوا يعيشون بأوهام تبين أنها لم تتحقق” ، وكان عليهم أن يختاروا أساليب جديدة أكثر واقعية لمقاومة الإحتلال . فلقد تأكدوا أن وهم إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية بات صعبا ، وكذلك وهم الاعتماد على المفاوضات لوقف الممارسات الإسرائيلية في تهويد القدس واعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى. وسقط أخيرا وهم احتمال حدوث تعايش مع الاحتلال والاستيطان والمستوطنين.[15]

إن السبب الرئيسي للانتفاضة هو الاحتلال الإسرائيلي نفسه ، وتغول الاستيطان والمستوطنين ، وفشل سياسة السلطة الفلسطينية بالمفاوضات مع الاحتلال ، وبروز شباب فلسطيني عاصر الاحتلال ويرفض بقاءه. ومن هنا جاءت انتفاضة القدس لتؤكد من جديد على حيوية نضال الشعب الفلسطيني ، وأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي كاف للبدء بانتفاضة جديدة ، يعيد للقضية الفلسطينية بريقها واستمرارها . وأنه ما دام هناك احتلال إسرائيلي للأراضي الفلسطينية فإن الرد على هذا الاحتلال المزيد من المقاومة، وعلى رأسها انتفاضة جديدة، تضاف إلى تاريخ النضال الفلسطيني الطويل ضد المشروع الصهيوني الإستيطاني في فلسطين.



[1]  نواف الزرو عن هاآرتس ،3/10/2008

[2]جريدة هاآرتس ، 5/9/2008 .

[3] جريدة هاآرتس 15/10/2015

[4]  جريدة هاآرتس ، 24/10/2009.

[5]  المرجع السابق .

[6]  جريدة يديعوت أحرونوت، 11/10/2009

[7]  المرجع السابق ، 12/10/2009.

[8]  عن تقرير المركز الفلسطيني للإعلام ، نابلس ،8/11/2011 

[9] المرجع السابق

[10] الزرو ، نواف ، قراءة في تطورات المشهد المقدسي ، بحث القي في مؤتمر القدس عاصمة الثقافة العربية ، عمان ، 2009.

[11] جميع المعلومات والإحصائيات أخذت مباشرة من الأستاذ خليل تفكجي ، مدير الخرائط في بيت الشرق الفلسطيني في القدس ، ومن دراسات موجودة في بيت الشرق،2013.

[12] تفكجي ، خليل، الاستيطان ومصادرة الأرض ، دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية ، القدس ، 2012.

[13] عبد الستار قاسم ، التنسيق الأمني دفاع عن أمن الصهاينة،الجزيرة نت، المعرفة)

 

[14] القدس العربي21 /1/2016

[15] مهدي عبد الهادي ، جريدة الشرق ، القدس المحتلة / 15ـ11/2015