المُحاضر وليد سالم: إسرائيل انتقلت من مشروع “القدس الموحدة” إلى “القدس الكبرى”
القدس-“القدس”دوت كوم-
محمد أبو خضير-
كشف الدكتور وليد سالم، الأستاذ المساعد في جامعة القدس، ملامح المشروع الاستيطاني المرحلي والمستقبلي لحكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، خاصة في القدس، خلال المرحلة المقبلة، وانتقال المشروع من “القدس الموحدة” إلى “القدس الكبرى” التي ستبتلع أكثر من ١٠٪ من الضفة الغربية.
وأكد الدكتور وليد خلال لقاء نظمه المركز العربي للأبحاث والدراسات عبر تقنية “زوم” تحت عنوان “الاستيطان الاستعماري والأبارتهايد والضم”، أن تطبيق نموذج إيرلندا الشمالية في الضفة الغربية يعني تقاسم السلطة بين الفلسطينيين والمستوطنين تحت إشراف الجيش الإسرائيلي. أما في حال تطبيق نموذج جنوب أفريقيا، فيعني ذلك المطالبة بالمساواة قبل إنهاء المشروع الاستيطاني الاستعماري، بمعنى آخر القبول بشرعية وجود المستوطنيين في الضفة والقدس المحتلة.
أما في المقارنة بالتجربة الجزائرية وجمهورية إيرلندا التي تحررت عن بريطانيا عام ١٩٢٢، قال سالم: “في هذه الحالة والنموذج نحن نحتاج إلى مقاومة شعبية شاملة سياسية ودبلوماسية واقتصادية وتنموية وكفاحية ميدانية وقانونية ومعرفية وإعلامية لتحقيق التحرر والاستقلال”.
الضم وعكسه بين الجزائر وأيرلندا وفلسطين
واستعراض سالم الكيفيات التي تم فيها عكس الضم الذي جرى للجزائر وإيرلندا، وكيفية الاستفادة من هاتين التجربتين في الحالة الفلسطينية التي لم تنهزم بعد، ولم تنتصر في المقابل بعد. ولن يكون الضم الرسمي القريب للغور والمستوطنات نهاية القضية كما يشيع البعض، تمامًا مثلما أن ضم القدس إلى إسرائيل عام 1967 لم يقض على فلسطينية المقدسيين، وضم الجولان إلى إسرائيل عام 1980 لم يعن إنهاء الهوية السورية للجولانيين.
وأوضح أن فرنسا احتلت الجزائر عام 1830، وبعد ذلك بأربعة أعوام أعلنتها مستعمرة “مضمومة فعليًا” إلى فرنسا (effectively annexed to France)، كما ورد نصًا في المرسوم الفرنسي الصادر في ذلك الحين. وفي عام 1848 صدر دستور فرنسي جديد حوّل الجزائر إلى جزء من فرنسا وفق القانون الفرنسي، أي أنه قد جرى تحويل الضم الفعلي لعام 1834 إلى ضم قانوني رسمي عام 1848.
وخلال الفترة من 1830 إلى حين تحرر الجزائر عام 1962، ساد استيطان استعماري في الجزائر وصل إلى مليون مستعمر في مناطقها الساحلية مقابل تسعة ملايين جزائري إبان الاستقلال، وجرى هذا الاستيطان الاستعماري تحت حراب الجيش الفرنسي الذي دبر المذابح، ولم يسعف الجزائريين من ذلك ضم بلادهم إلى فرنسا، إذ لم يُمنحوا حقوق المواطنة المتساوية مع الفرنسيين. وقد منح الحق في الحصول على الجنسية الفرنسية المتساوية قانونيًا فقط في عام 1945، أي بعد مرور 115 عامًا على استعمار فرنسا للجزائر، إلا أن هذا الحق بقي شكليًا ورفضت الإدارة الفرنسية في الجزائر منحه للغالبية العظمى من الجزائريين.
وأكد أنه رغم هذه الوقائع، فقد نجح الجزائريون في دحر الاستعمار الاستيطاني عام 1962، وذلك لعدة عوامل، منها عجز فرنسا عن خلق أغلبية فرنسية – أوروبية من المستوطنين المستعمرين؛ أما في حالة أيرلندا، فقد قامت بريطانيا بإعلان ضم أيرلندا كاملة إليها عام 1801، وذلك بعد مضي أكثر من 630 عامًا على بدء استعمارها لذلك البلد منذ عام 1170.
وخلال فترة الاستعمار خلقت بريطانيا أغلبية استيطانية استعمارية في ست من مقاطعات أيرلندا الاثنين وثلاثين، وذلك في منطقة أولستر. وفي عام 1922، استقلت المقاطعات الست والعشرون التي لم تخلق فيها بريطانيا أغلبية استيطانية استعمارية، ونشأت جمهورية إيرلندا بعد حرب استقلال ضارية، هذا فيما بقيت أولستر بمقاطعاتها الست تحت التاج البريطاني، وأُطلق عليها اسم “شمالي إيرلندا” (إيرلندا الشمالية).
وظلت جمهورية إيرلندا تطالب بإعادة شمالي أيرلندا إليها. في الوقت ذاته، استمر الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) حربه ضد بريطانيا في شمالي أيرلندا من أجل تحريرها وضمها إلى إيرلندا الأم، ما اضطر بريطانيا للدخول في مفاوضات سرية مع الجيش الجمهوري الأيرلندي منذ سبعينيات القرن الماضي. وجرت مناقشات واتفاقات عديدة بين جمهورية أيرلندا وبريطانيا انتهت عام 1998 بتوقيع اتفاق “الجمعة العظيمة” بين الأطراف المتصارعة في إيرلندا الشمالية، برعاية أميركية وبمشاركة بريطانيا وأيرلندا، وقد أنشأ الاتفاق صيغة للمشاركة في الحكم في أيرلندا الشمالية تحت الرعاية البريطانية.
وقال: “لقد دُحر الاستيطان الاستعماري والضم للجزائر بعد 132 عامًا على نشوئه، كما دحر عن 26 مقاطعة من مقاطعات إيرلندا عام 1922، بعد أكثر من 750 عامًا من الاستعمار البريطاني، وبعد اكثر من 120 عاما من الضم الذي تم عام 1801. وفي الحالتين، دام الضم حوالي 120 عاما قبل أن يتم عكسه، وساعدت على ذلك العوامل التي جرى ذكرها وعلى رأسها الاستعداد للمقاومة والتضحية من الشعب الأصلي، وهذا ما تم في الجزائر، كما في إيرلندا عام 1922، يوم لم تكن هنالك وساطة أميركية وأوروبية، بل كان كفاحًا أيرلنديًا حرر البلاد.
وأضاف سالم: في فلسطين يحاول بعض المتحمسين لما جرى من حل اللاحل في إيرلندا الشمالية تطبيقه هنا كما ورد أعلاه. إلا أن ثلاثة دروس يمكن استلهامها لفلسطين من هاتين التجربتين، وهي: أولاً أن الضم قابل العكس، ويجب أن لا ننظر إذا ما طال الزمن باتجاه ذلك الهدف كما حدث في حالتي الجزائر وأيرلندا. ثانيًا أن الضم غير قابل للعكس من خلال المفاوضات من دون الكفاح. ثالثًا على العكس من ثانيًا، فإن الكفاح المتواصل والدؤوب هو الطريق لتغيير قناعات الطرف الآخر، وجلب قوى حليفة على المستويين الإقليمي والدولي، تجعل تحقيق التحرر ممكنًا.
هذا وتخللت اللقاء مجموعة من المداخلات، أهمها للدكتور جمال عبادي، قال فيها:”إنه لا بد من إعادة الاحتلال إلى أساسه، وهو مختلف عن أي استعمار، لأن الاحتلال الإسرائيلي استئصالي، يرفض الوجود الفلسطيني.
وأضاف: إن الصراع ليس صراع حدود، وإنما صراع وجود عربي إسرائيلي، وهو مشروع غربي إسرائيلي قائم على تقسيم المنطقة بأسرها وضرب القوى العربية فيها، وأن تبقى إسرائيل هي القوة الوحيدة المسيطرة في المنطقة بأسرها، مؤكداً أن المشروع غربي إسرائيلي أكبر من فلسطين ، وإنما هو بداية ومقدمة لتحويلها إلى مملكة من النيل إلى الفرات في ظل مشروع ما هو معلن وما هو مسكوت عنه.
وأوضح عبادي أن المواربة والتقسيمات الاكاديمية والسياسية لم تعد تنفع بعد أن كشفت إسرائيل عن نواياها عملية بمشاريع منشورة ومكشوفة، نحن لم نوافق على أن تكون دولتنا ٢٢٪ من فلسطين، أنا لست ساكناً، أنا صاحب الأرض، رغم أن البعض وافق على ان تكون الدولة الفلسطينية على ٢٢٪ إلا أن الاحتلال يرفض ذلك.
بدوره، قال الباحث والأكاديمي الدكتور خالد حروب: “أعتقد أن النموذج الفلسطيني فيه تميز عن النموذجين الجزائري والإيرلندي، هذا الاحتلال نماذج متعددة اقتبس من كل التجارب الاستعمارية القديمة، الحاصل في فلسطين استعمار ثلاثي الأبعاد، استعمار ديني مسيحي ثم ديني يهودي صهيوني “أرض الميعاد”.
وأضاف حروب: جزء من الاستعمار قبل الاسرائيلي كان مسيحياً، وهو الأرضية للفكرة الصهيونية، فقد انسحبت المسيحية بعد أن بدأت الصهيونية على الأرض عام ١٩٤٨، الاستعمار الثالث هو الاستعمار الكولونيالي الإمبريايالي الخارجي-الدول الكبرى- ودورها في إنجاح المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني.
وأوضح حروب: “الدول الكبرى تستغل الجماعات اليهودية لتمرير مصالحها، ثلاث حلقات استعمارية غير متلاحقة، وهي متوازية، هناك حركة قوية- الاستعمار الديني في عهد دونالد ترامب، ما يطرح علينا تحدياً كبيراً يحتاج مقومات واستراتيجيات تفوق قدرة الفلسطينيين، لأنه استعمار ديني وكلاسيكي وكولونيالي، ولمقاومته لا بد من الكثير من الاستعدادات والخطط والوحدة مقدمةً لكل ذلك، وحدة فلسطينية وعربية وإسلامية.