العوامل المؤثرة في مسار انتفاضة القدس
” العوامل المؤثرة في مسار انتفاضة القدس”
أ. فاروق عزت العمد
المقدمة:
Bottom of Form
,JEDي تثور إنتفاضة القدس وتنطلق هذه المرة من عقر بيت المقدس من القدس الشريف، وتنتفض لأجلها الضفة الغربية وغزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وبغض النظر عن تسميتها حراك، هبه، مظاهرات ومسيرات، أو إنتفاضة السكاكين وإنتفاضة الدهس وإنتفاضة المولوتوف، فإنها تأتي في سياق تحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني والتحرر والإنعناق من عبودية الإحتلال وضمان حق العودة والتعويض وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وتباعاُ إزالة جميع التشوهات التي تحققت خلال فترة الإحتلال.
وتسير إنتفاضة القدس في سياق الإنتفاضتين السابقتين: فالإنتفاضة الأولى “إنتفاضة الحجارة” مهدت لتشكيل نواة الدولة الفلسطينية وأجبرت سلطات الإحتلال على الإعتراف بالشعب الفلسطيني والتفاوض معه، والإقرار بحقه في إقامة دولته على التراب الفلسطيني وأن تكون له مؤسساته الخاصة به . وأستفاد منها ساسة السلطة الفلسطينية في توقيع إتفاقية أوسلو، والتي لولا إنتفاضة الحجارة عام 1987 ما كان لإتفاقية أوسلو أن ترى النور.
وإلإنتفاضة الثانية “إنتفاضة الأقصى” أتت كرد واضح وصريح من الجماهير الفلسطينة على الإعتداءات الصهيونية المتكررة على المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية” وبخاصة المسجد الأقصى الذي يعبتر خطاً أحمر عند الفلسطينين بخاصة والعرب والمسلمين بعامة.
كانت الشراره حينها حين أقدم الصهيوني أرائيل شارون بتاريخ 28/9/2000 على إقتحام باحات المسجد الأقصى، فهبت الجماهير الفلسطينية غاضبة، ومما زاد من غضبها خيبة الأمل التي شعر بها الفلسطينيون نتيجة إتفاقيات أوسلو1993 وما تبعها من تداعيات، بعدم جدوى التفاوض، فقامت إنتفاضة الأقصى عام 2000 في جميع أنحاء فلسطين، وحدثت مواجهة عارمة ضد العدو الصهيوني، واستنفرت سلطات الإحتلال وجيشه حينها قواتها وتصاعدت ألمواجهات، قدم الفلسطينيون فيها تضحيات بطولية عز نظيرها، رغم التفوق العسكري الصهيوني . وكشفت سلطات الإحتلال عن الوجه الحقيقي في عدم رغبتها بالسلام وقيام دولة فلسطينية، حيث قامت على أثرها بتدمير البنى التحتية والمؤسسات الفلسطينية الناشئة، واجتاحت غزة. إلا أن هذه إلإنتفاضة أجبرت العدو الصهيوني على الإنسحاب من غزة وجر أذيال الخيبة وتفكيك المستوطنات حول غزة. وكان وللأسف أيضا من نتنائج هذه إلإنتفاضة الإنقسام الحاد ما بين حركتي فتح وحماس وتأثيره غير المحمود على الشارع الفلسطيني والقضية الفلسطينية بعامة.
وتبعه قيام سلطات الإحتلال ببناء جدار العزل العنصري الذي فصل مدينة القدس عن الضفة الغربية وبحجج واهية، ماهي إلا تعبير عن التخطيط المسبق لتفريغ القدس من سكانها وتهجيرهم قسراً بكل إلأساليب التي يخترعها الإحتلال لتحقيق هدفه في السيطرة التامة على كامل مدينة القدس في ظل حملة تهويد لتحقيق ما يسمى بـ “يهودية الدولة”.
ما زالت سلطات الإحتلال الإسرائيلية تتمادى في الإستمرار في البناء الإستيطاني في القدس وحولها وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين حيث تنوي بناء (55) ألف وحدة إستيطانية في مدينة القدس والضفة الغربية، وجلب خمسين ألف مهاجر يهودي إلى فلسطين عام 2016. وخططها نحو تأكيد التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي الأمر الذي يصيب ما يزيد على أربعين ألف مقدسي يقيمون خارج مدينة القدس، وإلغاء هوياتهم وضمهم للضفة الغربية بهدف تحقيق تغيير ديمغرافي راديكالي يمس بالدرجة الأولى حقوق المواطنين المقدسيين.
لقد إنطلقت إنتفاضة القدس، التي يقودها الشباب العزل، للضغط باتجاه وقف الحراك إلاستيطاني، ومصادرة الأراضي والعقارات الخاصة بالفلسطينين، وهدم البيوت ووقف أية إجراءات من شأنها المساس بحقوق المواطنة للمقدسين من سحب الهويات والتضيق الأمني. وكل ذلك يتم في ظل غياب خطة للسلطة الفلسطينية خاصة بدعم القدس والمقدسيين، والإعتماد فقط في ذلك على مخرجات المفاوضات التي أدت إلى تآكل الحقوق.
وفي مسار الحراك الشعبي أصدرت “الجبهة الوطنية الميدانية الموحدة في فلسطين التاريخية”، نداءها الأول وهو جسم خارج اُطر الفصائل الفلسطينية، وقد خلا البيان من أسماء الجهات المشاركة. إلا أنه أكد أهمية الإستمرار في الثورة الجماهيرية التي أسماها ” إنتفاضة الأقصى والقدس” وقد حدد هدفه ” ضد الإحتلال ورص الصفوف على كل الحواجز العسكرية ونقاط التماس مع جنود الإحتلال الجبناء والقتلة، وعصابات المستوطنين الإرهابية” . وأكد النداء على أن الشعار الذي تبنته الجبهة هو: “وليكن شعارنا: لنحرق الأرض تحت أقدامهم”، كما أكد على وحدة الشعب الفلسطيني على أرضه، “ورفض إتفاقيات أوسلو العار”، وكل ما ترتب عليها بما في ذلك إتفاقية التنسيق الأمني، ودعى إلى تشكيل هيئات قيادية ميدانية لمواجهة قوات الإحتلال العسكرية وعصابات المستوطنين والمستعربين الإجرامية، وتشكيل لجان الدفاع الوطني من أجل حماية الشعب من هجمات المستوطنين، ومناشدة العناصر من الأجهزة الأمنية الإلتحاق بإلإنتفاضة، والدعوة إلى تأسيس هيئة وطنية ثورية ميدانية إنتقالية تكون النواة الصلبة لقيادة الإنتفاضة. وتتحمل سلطات الإحتلال وداعميها الأعباء والمسؤوليات تجاه المناطق المحتلة وأصاحبها الأصلييين، ودعوة الشعوب العربية والدول الصديقة إلى أن تساند إنتفاضة القدس.
أولاً: الحاضنة الشعبية الفلسطينية
إن ما تقوم به الجماهير ألفلسطنية وشبابها الناهض بالمقاومة شبه اليومية، ما هو إلا تعبير واضح وصريح عن الإيمان الكامل بحتمية الإنتصار بتحرير الأرض والإنسان طال الزمن أو قصر.
وإن هذه الجماهير الفلسطينية من الشباب والشابات في إنتفاضة القدس تقود ملحمة بطولية ليس فقط كرد فعل آني على الممارسة الإسرائيلية بل تأتي في الأصل بسبب إستمرار الإحتلال الصهيوني على فلسطين وتداعيات هذا الإحتلال من فرض الهيمنة الأمنية والعسكرية بالقوة وتطبيق إلأنظمة والقوانين والتشريعات العنصرية التي تخدم الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني على أرضه، وسياسة إلاستيطان والتوسع فيها في كل من الضفة الغربية والقدس، على وجه الخصوص، التي أحاطها كما يحيط السوار باليد، التي تهدف أيضا إلى تهويد الأراضي المحتلة كاملة وإلى إلإجراءات اليومية التي تستهدف تغيير معالم المدينة المقدسة وسياسة تفريغ السكان الفلسطينين إلأصلييين الممنهجة في ظل الطرح الصهيوني بـ ” يهودية الدولة “. وكذا الأمر في غزة، وسياسة مصادرة أراضي وعقارات الفلسطينين، وسياسة العقاب الجماعي والقتل غير المبرر وإستهداف الأطفال والشباب، والتي تسير في نسق سياسية الإبادة الجماعية والقمع والتنكيل والإعتقالات الإدارية، وإستمرارها في الإعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى وباحاته، إضافة إلى الإعتداءات المتكررة على الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، والأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية. أضف إلى ذلك فشل المسار التفاوضي في وضع حل ينهي معاناة الفلسطينيين، وفي ظل تعاقب الحكومات الصهيونية والمتطرفة في رفض أية حلول للقضية. مما أدى إلى شعور الشباب الفلسطيني بفقدان الأمل بالتوصل إلى حل مع المحتل وأن المحتل يريد الأرض ولا يريد السلام، ولنواياه التي كانت مبيتة والأن علنية في أنه أيضا يريد تفريغ هذه الأرض من سكانها الأصليين. وأن المحتل يسير بمخطط مواز للمخطط الأمريكي الذي تم فيه القضاء على الهنود الحمر لصالح المستوطنين الذين أتوا من مختلف أصقاع العالم.
إن شرارة الإنتفاضة تأتي بسبب ما يقوم به الإحتلال العنصري الصهيوني من قتل وتنكيل، وكانت مقدمات هذه الإنتفاضة إبتداءًا من حرق الشاب محمد أبو خضير في شهر حزيران من عام 2015 إلى حرق منزل اُسرة الدوابشة بتاريخ 31/7/ 2015 وحرق الطفل الدوابشة بدم بارد على أيدي قطعان المستوطنين المدعومين من الجيش الإسرائيلي وسلطة الإحتلال، وإصدار وزير الدفاع الصهيوني حظر مصاطب العلم والرباط في الأقصى، وإلى قيام وزير الرزاعة الصهيوني أوري آرئيل بتاريخ 12/9/2015 بإقتحام المسجد الأقصى ومعه أربعين إسرائيليا. كما إقتحمت وحدات المستعربين الصهيونية باحات الأقصى، وعاثت فيها تكسيراً وتحطيماً. وبتاريخ 17/9/2015 قام عشرات من أعضاء حزب الليكود الصهيوني بإقتحام الأقصى، وما بينهما من أحداث دامية إستهدفت وتستهدف أمن وإستقرار وحياة الإنسان الفلسطيني على أرضه ووطنه، وما نتج عنه من هياج فلسطيني حينذاك.
إن ما يعظم تصاعد هذه الإنتفاضات وإلالتفاف حولها شعبيا هو ترسخ القناعات لدى الشعب الفلسطيني في كم الظلم الكبير الذي لحق ويلحق به في الأراضي المحتلة. فالذاكرة الفلسطينية مليئة بالمعاناة والألم من الإحتلال الصهيوني الغاشم. وما العدوان على القدس، وبيت لحم وبير زيت وغزة وجنين ونابلس والخليل وخان يونس وغيرها من قرى ومدن فلسطين ما هو إلا تراكم نحو مزيد من هذه الحراكات والهبات والإنتفاضات والتي ستكون ممهدة لطريق التحرير.
ويرى الشباب أن إنتفاضة القدس هي ثورة شعبية وتأتي رداً طبيعياً وعفوياً ضمنته ، للأنسان الفلسطيني، كل الشرائع السماوية والوضعية وحقوق الإنسان في الدفاع عن أرضه ووطنه المحتل ومقاومة المحتل بهدف إنهاء الإحتلال وممارساته القمعية العنصرية النازية، والتي تستهدف صمود الإنسان الفلسطيني.
كما وتأتي إنتفاضة القدس في أجواء محلية وشعبية مشحونة بالتوتر نتيجة مباشرة للإحتلال الصهيوني وممارساته العنصرية والقمعية وتشجيعه لسياسة إلاستطيان ودعم المستوطنين المتطرفين القتلة وعدم محاكمتهم على جرائمهم. ومحاولاته الرامية إلى قمع روح المقاومة بجميع أشكالها.
ويرى الفلسطينيون أنهم لن يلوذوا بالصمت، ولن يقبلوا بالأمر الواقع حيال ما يجري ضدهم وعلى أرضهم المحتلة، وأمام إعتقال وقتل نشطائهم، والعقاب الجماعي وهدم البيوت والمحاكمات إلادارية الصورية غير العادلة، وسياسية التوسع في بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي عنوة، والإعتداء على الحرمات المقدسة في المسجد الأقصى في القدس والحرم إلابراهيمي في الخليل.وسياسة الإبعاد الممنهجة للمقدسيين عن مدينة القدس حيث اُبعد عن القدس أكثر من مائة ألف مقدسي، وأعتقل وأسر أكثر من مليون أسير منذ عام 1948. والمعاناة اليومية على الحواجز وسياسة تنغيص العيش على المواطن الفلسطيني من قبل بلديات الإحتلال، وسياسة إستنزاف المواطن بالضرائب، والجديد إستخدام القانون آلية لقمع الإنتفاضات حيث سن الكنيسيت الإسرائيلي قانوناً أولياً لمواجهة إلإنتفاضة سمي ” قانون ملقي الحجارة ” حيث رفع فيه الإحتلال سقف الإعتقال بالسجن لأربع سنوات لملقي الحجارة، وإلى فرض عقوبة وغرامة على أهالي ملقيي الحجارة.
كما يجمع الكل أن هذه إلإنتفاضة أعادت إلألق والصدارة للقضية الفلسطينية في الإهتمام بايجاد حلول ناجعة، وعملت على إعادة توجيه البوصلة الفلسطينية لمواجهه المحتل فقط ، خاصة في ظل التشاؤم من الوضع السياسي العربي المتردي والحروب الأهلية التي تعيشها، اكثر من دولة عربية، وفي ظل الدعم الأمريكي والغربي لدولة الإحتلال.
كما يتفق جميع القوى الوطنية المناصرة لإنتفاضة القدس على أن الإنتفاضة مسيرة وطنية، وقد ينتابها وقفات، الا انها مستمرة حتى زوال الإحتلال ، رغم أن هنالك عدد من المؤثرات في مسارها، والتي تتلخص بأهمية تعظيم الدور الشعبي في مساندتها الذي تحصل عليه حاليا.
إن الدور التثويري الشعبي الفلسطيني يكمن في إنتفاض الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته من الجماهير الشباب الجيل الفلسطيني الثالث الذي يحمل شعلة الإستمرار في النضال، ويهيئ لقيادة شابة جديدة نظيفة تسعى للتحرير.
إن الفصائل الفلسطينية تعتبر مكوناً وطنياً بكل أطيافها الممثلة لجسم الشعبي على الأرض الفلسطينية وللأحزاب السياسية في المناطق المحتلة عام 1948، والنقابات المهنية ومنظمات مؤسسات المجتمع في الضفة الغربية ورام الله، ومنظمات المجتمع المدني الفلسطني. وما يكمل إغلاق هذه الدائرة الوطنية هو تحالفها ضد العدو المحتل فقط، وأن تتحلل من الإنضواء تحت ضغوطات السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني الذي يعتبر التحدي الكبير في إستمرارها والمحافظة على ديمومتها.
ولتكتمل دائرة تحقيق شروط الإنتفاضة، الذي يكمن في أنتشارها تدريجيا لتشمل كامل مناطق الوطن المحتل ليشارك فيها جميع مخيمات وقرى ومدن الأرض المحتلة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، في القدس والضفة الغربية وغزة والمناطق المحتلة عام 1948. لتشكل نواة التحرير وتمهد الطريق إلى معركة التحرير التي يتحدد زمانها بنضوج حالة الكفاح الوطني الشعبي المسلح الفلسطيني والظروف العربية والإقليمية والدولية المحيطة به.
وهذا يتأتى في ظل وجود قيادة سياسية وعسكرية في الميدان ، وفي إطار توفر الإمكانات لديمومة الإنتفاضة ودعم لوجستي يساهم على الأرض في تحريك موازين القوى لصالحها.
وهو الأمر الذي يتطلب وفي المقام الأول إنهاء حال الإنقسام الفلسطيني بين مختلف الفصائل الفلسطينية ، وعلى وجه الخصوص ما بين حركة فتح من جهة وحركتي حماس والجهاد الإسلامي من جهة اُخرى. وإنهاء حالة العجز عند قيادة السلطة الفلسطينية في القيام بمسؤولياتها الوطنية في إدارة اُمور العامة وإنهاء حالة تضارب المصالح والفساد المستشري في مفاصل السلطة، ووقف التنسيق الأمني مع الإحتلال بجميع أشكاله. وأن يكون الوفاق الوطني الإستراتيجية الحقيقية للنضال الفلسطيني في المرحلة الحالية، وأن يكون شعاره فقط تحرير فلسطين، وأن العدو هو فقط إسرائيل، وهي البوصلة التي تهدي جميع المناضلين على أرض الواقع. وهنا تحدد آلية النضال الوطني حسب الظروف على الأرض، سواء عن طريق الكفاح المسلح وعسكرة الحراك والهبات والإنتفاضات الفلسطينية باتجاه المواجهة الشاملة مع إسرائيل ، أو عن طريق الوصول إلى حل يرضي الفلسطينين. خاصة أن الفلسطينين العزل يقومون بمواجهة المحتل الصهيوني المدجج بإلاسلحة المتطورة وجيشه المرتزق، بإمكانيات بسيطة في المقاومة: بالحجر والسكين والدهس والمولوتوف.
لقد قادت إنتفاضة القدس الجماهير الشعبية الفلسطينية في المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية في القدس وغزة والضفة الغربية، وكبدت سلطات الإحتلال الخسائر البشرية الكبيرة بالإضافة إلى الخسائر إلاقتصادية وتردي السياحة القادمة إلى المناطق المحتلة.
لقد أظهرت الجماهير الشعبية الفلسطينية التفافاً حول إنتفاضة القدس. فقد نفذ الفلسطينيون العمليات ضد المستوطنين وقوات الإحتلال في القدس وضواحيها وقراها، وفي الخليل وقراها، وبيت لحم، ونابلس، ورام الله، وجنين وقلقيلية وخانيونس، والنقب ونهاريا وفي قلب تل ابيب. وشملت العمليات المستوطنات ،عنانا، غيئولا، غوش عتصيون، معبر إلياهو، بسيغات زيئيف، كريات غات، شافي شامرون، بيت إيل، ومفارق الطرق وحافلات الباصات. وقد نفذ هذه العمليات البطولية النضالية الشباب الفلسطيني، وأسفرت عن قتل وجرج ما يزيد عن (200 )مستوطن وجندي صهيوني. .
لقد قاد الشباب الفلسطيني في القدس و الخليل والضفة الغربية حركة النضال ضد المحتل بإرادة صلبة وبإصرار، وليس فقط نتيجة إحباط ويأس من السياسية الإسرائيلية وغياب الأمل من القيادة الحالية للسلطة فقط، بل لإقتناعهم بحقهم بالتحرر والتحربر والعيش بكرامة في وطنهم وطرد المحتل وبالأدوات الدفاعية المتاحة للكفاح الشعبي بالحجر والسكين والدهس والمولوتوف، الأمر الذي أعاد الأعتبار للقضية ألفلسطينة إلى الصدارة. وأن المشاركة الشعبية من الشباب الذين أكدوا على أن إنتفاضة القدس ستكون إلأنطلاقة لتحرير الأراضي المحتلة من العدو الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وهو الطريق إلى تحرير الأسرى وازالة الجسم السرطاني من المستوطنات وجدار ألفصل العنصري.
ويرى الكثيرون أن هذه إلإنتفاضة لن تبقى حبيسة المدينتين: القدس والخليل، فالمؤشرات تشير بوضوح إلى إمتدادها لمناطق الضفة الغربية ، نابلس، وقلقيلية، وبيت لحم، غزة وإلى المناطق المحتلة من فلسطين عام 1948.
أن ما يقلق المحتل الإسرائيلي أن إنتفاضة القدس عفوية وشعبية بإمتياز، كما أنها تتعلق بقناعات الشباب المقاوم في أن المقاومة طريق التحرير، وأن الشعب الفلسطيني لن يرضى أن يستمر الوضع على ما عليه. وأنه يرى أن المقاومة فقط تقود إلى زوال الإحتلال. وهو ما أثبتته العمليات البطولية التي قام بها الشباب بصورة فردية وأسفرت على مقتل وإصابة ما يزيد عن مئتي محتل صهيوني، وأن شباب إلإنتفاضة يرون أن إلإنتفاضة أكدت أن الحق يعلو ولا يعلى عليه. وقد بان جليا في هذه إلإنتفاضة الشعبية من خلال زخم مشاركة الشباب بقوة فيها. وأنهم يعتقدون بإيمان راسخ أنهم حازوا على دعم ومساندة شعبية جماهيرية، كما ظهر ذلك جليا من خلال دعم مختلف وسائل إعلام المقاومة لهم، ووسائل التواصل الإجتماعي، الأمر الذي شكل قاعدة متينة للإنتفاضة للإستمرار حتى تحقق اهدافها بالتحرر والتحرير.
إلا أننا لا نستطيع الجزم في أن الحاضنة الشعبية العامة من الجماهير الفلسطينية ستكون قادرة على إلاستمرار بدون قيادة ميدانية ومشروع نضالي يقوده أهل المقاومة، ولا يمكن أن تستمر دون مشاركة وإتفاق كبريات الفصائل فتح مع حماس على إلإنتظام بفعل المقاومة ودعم إلإنتفاضة. فإنتفاضة القدس ومنذ الأول من شهر تشرين الأول عام 2015 وحتى اليوم، وإلإنتفاضة مستمرة. وحسب إحصائية مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، ووكالة وفا للأنباء، فقد خلفت إنتفاضة القدس “مائة وأربعة وثمانون” شهيداً، منهم تسعة وعشرون طفلا شهيدا، وتصدرت محافظة الخليل قائمة الشهداء بثلاثة وخمسين شهيداً، والقدس بواحد واربعين شهيداً، وغزة بخمسة وعشرين شهيداً، ورام الله بتسعة عشر شهيداً، وجنين بتسعة عشر شهيداً، ونابلس بعشرة شهداء، وبيت لحم بتسعة شهداء، وطولكرم بشهيدين، وسلفيت بشهيدين، وقلقيلية شهيد، وبشهيدين من فلسطيني عام 1948، إضافة إلى شهيد عربي واحد من السودان الشقيق. كما جرح أكثر من 2500 جريح والمئات من المعتقلين الناشطين بإنتفاضة القدس. وهنا تأتي أهمية الدعوة إلى الحسم فقط باتجاة المشروع الوطني الفلسطيني ضد الإحتلال الصهيوني ومكونه عن طريق وحدة جميع الفصائل.
إلا أنه ولتاريخه ما زالت عملية المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية تراوح في مكانها، والسبب واضح إختلاف تبني إتجاهين متعارضين،المقاومة والمهادنة، وما ينتج عنه من إستقطاب سياسي عربي وإقليمي لإذكاء نار الخلاف فيما بينهما. وهو الأمر الذي يشكل عبئاً على كاهل هذه إلإنتفاضة ألفتية، إضافة إلى أسباب اُخرى تتعلق بتكتيك عمل كل فصيل فيما يتعلق باسلوب المقاومة.
ثانيا: الفصائل الفلسطينية: الحاضنة الوطنية
تعتبر الفصائل الفلسطينية بكوادرها الشعبية أداة نضال أساسية في أي حراك أو هبة أو إنتفاضة في فلسطين المحتلة، وهي كذلك في إنتفاضة القدس الحالية. ولا تستطيع هذه الفصائل أن تنأى بنفسها عن الأحداث مكانياً ولا زمانياً رغم قيامها بالموافقة على إتفاقيات أوسلو. فهي امام اختيارين اساسين: إما المشاركة التلقائية دون الإلتفات إلى التنسيق مع الرئاسة الفلسطينية، أو أن تجد نفسها مضطرة للمشاركة إعتماداً على ضغط من كوادرها أمام الوضع غير المتوازن بين قوة إلإنتفاضة الشعبية العفوية والتنكيل الصهيوني بجماهير إلإنتفاضة. لأن بقاءها في دائرة النأي عن المشاركة يكشف غطاءها الشعبي وينبئ بظهور قيادات بديلة جديدة، لا بل تنظيمات جديدة على الساحة الفلسطينية برؤئ نضالية مختلفة. وهذا قد ينبئ بأوضاع لا تحمد عقباها في حال إستمرار السلطة والفصائل بعيدة عن المشاركة الحقيقية والعلنية في إلإنتفاضة.
إلا أنه ما زالت الفصائل الفلسطينية تحمل على أكتافها عبء مواقفها من إتفاقيات أوسلو، والتي لم تتحرر من آثارها بعد، إضافة إلى إستمرار تنسيقها في إطار السلطة الفلسطينية، وما زالت تحت مظلتها برئاسة محمود عباس الذي يعارض قيام أية إنتفاضة، وأبعد من ذلك هو أن يعلن بوضوح لا لبس فيه أنه ضد المقاومة. وهو الأمر الذي حدا بهذه الفصائل بعدم الإنخراط في إنتفاضة القدس، وعدم دعوة كوادرها للمشاركة فيها في القدس والضفة الغربية . أما مقولة أن حماس خرجت من حرب مرهقة، ولا تستطيع في الوقت الحاضر المشاركة الشاملة فيها، بإلاضافة إلى ما يقتضيه الأمر من متابعة ملف الأسرى والتبادل، أسباب غير مقنعة من الطرفين
وتتشكل الفصائل الفلسطينية والحراكات السياسية الناشطة على الأرض الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة من ما مجموعه خمسة عشرة فصيل. منها سبعة فصائل ” حركة التحرر الفلسطيني “فتح” والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني”. ونشاطهم فاعل في الضفة الغربية وفي غزة. في حين إن حركتي المقاومة الإسلامية ” حماس” وحركة الجهاد الإسلامي تتركزان في عملها في قطاع قطاع غزة ولهما حضور في الضفة الغربية.
وهنالك ستة مبادرات وأحزاب سياسية أهمها” المبادرة الوطنية الفلسطينية، والتجمع الوطني من أجل العدالة والديمقراطية “وعد” ، والإتحاد الديمقراطي الفلسطيني، والعدل الفلسطيني، والطريق الثالث “فلسطين”، والمستقبل.”
وجميع هذه الفصائل والأحزاب وخاصة حركتي فتح كبرى الفصائل الفلسطينية، وحماس كبرى التنظيمات الدينية المؤثرة، لهما وجود وقواعد شعبية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي تستطيع تحريكها وحشدها لدعم إنتفاضة القدس، لو اتفقت على القواسم الرئيسية المشتركة.
فقد شكلت الفصائل الفلسطينية في الإنتفاضتين السابقتين “إنتفاضة الحجارة 1987، وإنتفاضة الأقصى 2000” عماد حراك الإنتفاضتين، وساهمت قيادتهم بتثوير قواعدهم مما أحدث زخماً ضخما في المشاركة على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي إنتفاضة القدس كانت المشاركة في التصريحات الإعلامية أقوى من المشاركة على أرض الواقع. لم تعلن أو تشارك أو تحشد بشكل واضح مباشر وعلني الفصائل الفلسطينية في إنتفاضة القدس لتاريخ إعداد هذا البحث، غير التسابق الإعلامي في تبني إلإنتفاضة. زعمت فتح أنها تقودها وقالت حماس أنها المحرك الرئيسي لها، وأشارت الجهاد الإسلامي إلى أنها فجرتها، وذلك من واقع تصريح قياداتها. إلا أنه وفي الحقيقة، وما زالت تقوم كل الفصائل الفلسطينية بدور “المشاهد” الذي يحسب حساباته في المشاركة أو عدمها، وهذا المشاهد ينتظر إلى أي مدى ستمتد وتنتشر هذه إلإنتفاضة ، ولربما يوازون ما بين جاهزيتهم في إلإنخراط الكامل، والواقع الحقيقي لقدراتهم في مواجهة المحتل في ظل الكثير من الإعتبارات أهمها مسار السلطة الفلسطينية ومسار المفاوضات، والتنسيق الأمني مع السلطات وعدم توحدهم تحت مظلة وقيادة واحدة من جهة ، وما يحدث من مستجدات على المستوى العربي والإقليمي وتداعياته.
فقد أعلنت شبية حركة فتح في بيانها ” أن الهدف من إنتفاضة شعبنا هو الحرية والخلاص النهائي من الإحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وإطلاق سراح أسرانا وعودة لاجيئنا، وإزالة المستوطنات وجدار الفصل العنصري” . وصرح فايز أبو عيطه الناطق الرسمي : “إن إلإنتفاضة أعادت للشعب والقضية الفلسطينية الإعتبار..”
اما الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المعتقل في سجون الإحتلال أحمد سعدات، وفي رسالة من سجنه قال :” إن اللحظة التي يعيشها الشعب الفلسطيني مصيرية بإمتياز، والظروف الراهنة لا تطرح على الشعب الفلسطيني خياراً سوى المقاومة، داعياً إلى إمتلاك الإرداة السياسية لأنهاء الإنقسام، وإعتبار أنهاء الإحتلال هو الشعار الناظم لنضالات الشعب الفلسطيني”. وصرحت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيان عقب إجتماع لها :” إلإنتفاضة اليوم تقدم لنا فرصة ثمينة لإنهاء الإنقسام، وبناء الإطر الوطنية التي تحتضن وتدير العمل الإنتفاضي بقيادة موحدة في الضفة وغرفة عمليات مشتركة في غزة وحركة لاجئين تساند الفعل الإنتفاضي”
كما صرح خالد مشعل ، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: ” أن إلإنتفاضة الحالية ستحرر الضفة الغربية والقدس المحتلة كما حررت إلإنتفاضة السابقة قطاع غزة من الإحتلال” . وصرح خالد البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي: ” أن فصائل المقاومة الفلسطينية ستحافظ على الفعل الكفاحي للإنتفاضة الشعبية”
الأمر الذي يشير إلى أن جميع الفصائل متفقة على قيام إنتفاضة القدس، لكن التناقض المحير أنها غير متفقة على شكل واُسلوب المصالحة الوطنية والتنسيق فيما بينها على أرض الواقع في ظل الإختلافات في التوجهات السياسية، الأمر الذي غيب آلية الدعم الحقيقي للإنتفاضة.
فقراءة البيانات التي تصدر عن الفصائل تشير إلى قرب المصالحة الوطنية ، أما على أرض الواقع فهي غير موجودة. إلا أنه وبلا شك إنتفاضة القدس ينضوي تحت لوائها العديد من العناصر النقية التي نأت بنفسها عن الخلافات السياسية وأعتبرت مقارعة العدو المحتل أولوية قصوى. وهم من مختلف الفصائل التي ترى أن إنتفاضة القدس تأتي في سياقها الوطني ونتيجة طبيعية لتعسف الإحتلال، وتلك العناصر ترى في إنتفاضة القدس فرصة سانحة للتغيير الحقيقي داخل اُطرها وفي السلطة الفلسطينية تمهيدا لتتويج جهودها في مقارعة المحتل.
رغم أن عدداً من العمليات ضد الإحتلال تبناها الجناح العسكري في الجهاد الإسلامي وحماس، واُخرى تبنتها فتح. إلا أن ذلك ليس مؤشرا على الإنخراط الكامل للفصائل بإنتفاضة القدس.
إن غياب حشد قيادة الفصائل الفلسطينية لعناصرها في الضفة وغزة بالتصعيد والإنخراط بالمشاركة في إنتفاضة القدس، قاد إلى غياب الزخم في فعلها، لذلك ضعف زخمها في مدينة القدس من أواسط شهر كأنون أول 2015، واستمر زخمها متقطعا في الضفة والمناطق المحتلة عام 48.
على أن الهدف الأوحد لهذه الفصائل والقوى الشعبية والمدنية يبقى قائما وهو المقاومة ضد ا لمحتل وهو ما يحتم عليها أن تضع جانبا خلافاتها، وأن تتحد لتشكل قوة ضاغطة وداعمة لإنتفاضة القدس، وهو الأمر الذي يحقق شرعيتها الحقيقية على أرض الواقع ويسمح بإلالتفاف الشعبي حولها، وبعكس ذلك تفقد شعبيتها وشرعية تمثيلها.
لكن كيف تتفق الفصائل الفلسطينية في ظل أنضوائها تحت قيادة سلطة لا تريد إنتفاضة ولا تريد مقاومة، لا بل تعمل على إخمادها؟ لقناعتها أن إنتفاضة القدس في حال إستمرارها فأنها ستشكل تهديداً حقيقياً لقيادة السلطة الحالية، وستعطي مبرراً لإسرائيل بمزيد من إجراءات القمع وربما إعادة إجتياج وإحتلال الضفة الغربية، طبعا في حال سقوط السلطة الفلسطينية.
خاصة وفي ظل التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال، والذي كفته غير متوازنة حيث ما تستفيد منه سلطات الإحتلال أضعاف أضعاف ما تستفيد منه السلطة وكوادرها من التنسيق الأمني، وهو يضر في مجملة المقاومين والناشطين، والذي هو أيضا معيق حقيقي أمام إلإنتفاضة، وهو في نفس الوقت يشكل تحدياً لها مع التحدي إلاكبر الذي تواجهه مع العدو الصهيوني.
وللحفاظ على ديمومة هذه إلإنتفاضة يحب أن تتوفر العناصر التالية:
أولاً: أهمية أن تتشكل قيادة ميدانية لإنتفاضة القدس من الشباب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وغزة والمناطق المحتلة عام 1948، ومن عناصر الفصائل الفلسطينية الذين يرفضون مسار السلطة الفلسطينية وتباطؤ قيادتهم في الإنخراط في إلإنتفاضة الوطنية. وأن تشارك بفاعلية الإتحادات والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني.
ثانياً: أن تشكل هذه القيادة من الشباب والمناضلين استراتيجية مواجهة مع العدو، اعتماداً على تقدير افضل السبل في النضال في إطار هذه إلإنتفاضة. وأهمية وضع هدف تكتيكي للإنتفاضة يكمن في ضرب المستوطنات والمستوطنين، الذين يشكلون الكتلة في الوجود الصهيوني، وإختيار العمليات النوعية ضد جيش الإحتلال ومؤسساته، وإقتصاده .
ثالثاً: أهمية العمل وبخط متواز على لم شمل الفصائل الفلسطنيية وتوحيدها، وإنهاء حالة الإنقسام الداخلي الذي تعانيه، وكذلك الأمر الإتفاق على إنهاء حالة الخصومة ما بين حركات حماس والجهاد الإسلامي وفتح، على هدف واحد هو النضال ضد المحتل الصهيوني لتستكمل طريق نضالها في إتجاه البوصلة الصحيحية ولتشكل زخماً يحدث فرقاً في إنتفاضة القدس.
رابعاً: في حال إتفاق الفصائل الفلسطينية وحركتي حماس الجهاد الإسلامي، ستكون ضاغطة ومقدمة باتجاه إجراء أنتخابات جديدة، وإنتخاب رئيس جديد للسلطة الفلسطينية يتماشى وتطلعات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ويدعم استمرار إنتفاضة القدس، لا بل في تلك الحالة يساهم في الإنتقال النوعي في مواجهة الإحتلال. وهو ما ينبئ بولادة قيادة جديدة تحافظ على المكتسبات التاريخية والثوابت الوطنية للحق الفلسطيني.
خامساً: إلاهتمام بإلاعلام الوطني والعربي المقاوم، والدولي المساند لكسب التأييد المناصر للقضية وإلإنتفاضة، وهذا أيضا يقتضي وضع استراتيجية عمل واضحة وإلاستفادة من إلامكانيات المتاحة للعمل والتنسيق، وبخاصة من المساحات المتاحة للفصائل الفلسطينية ،وعلى وجه الخصوص حركتي فتح والجبهة الشعبية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومختلف الفصائل وأن تتم الإستفادة من المنابر الدبلوماسية من خلال السفارات والقنصليات الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم والذي يسبقه التغيير في نظرة السلطة إلى مقاومة المحتل، ومن منابر الأمم المتحدة في التأكيد على الحقوق الفلسطينية وعلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي إتخذت لصالح القضية الفلسطينية.
سادساً: إعطاء أهمية خاصة لمنابر التواصل الإجتماعي في الداخل والخارج. وإلى إقامة المهراجانات التضامنية، ودعم المؤسسات المحلية والعربية والدولية التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل ومنتجاتها. وتبني دعم الشخصيات العامة العربية وإلافريقية والغربية التي تأخذ مواقف مناصرة للقضية الفلسطينية.
سابعاً: أهمية إيلاء دور منظمات المجتمع المدني الفلسطيني عناية خاصة كحاضنة شعبية، رغم تضييق سلطات الإحتلال الخناق على عمل منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وخاصة تلك التي تؤدي دوراً وطنياً مسانداً . وتضيق الخناق يأتي من قبل الإحتلال بأغلاق المؤسسات وإعتقال نشطائها ومن خلال فرض إلأنظمة والقوانين والتشريعات التي تحد من قدرتها على الحركة، إلا أنها مستمرة في نضالها في خدمة الأرض والإنسان الفلسطيني، وبحدود إلامكانيات المتاحة، و هي أداة داعمة لمسيرة إلإنتفاضة.
إن مشاركة منظمات المجتمع المدني الفلسطيني أتت وتأتي داعمه لمسار إنتفاضة القدس وتأتي جهودها في مسار نضالي مواز للهيجان الشعبي ضد الإحتلال وعلى وجه الخصوص في مجال المقاطعة، وفضح الممارسات الصهيونية التي تعتدي يومياً على حقوق الإنسان الفلسطيني وتتجاهل الشرعة الدولية، ودورها في فضح إجراءات الإحتلال التنكيلية شبه اليومية من سحب الهويات وهدم المنازل ومصادرة الممتلكات وتجريف الأراضي الزراعية وقلع أشجار الزيتون وفتح الطرق الإلتفافية لتسهيل مسارات المستوطنات والتي تعدي على أراضي القرى والمدن الفلسطينية في القدس والضفة، ودورها في فضح بناء سور الفصل العنصري. وإقامة الحواجز على الطرق بهدف التضيق على حياة المواطن الفلسطيني اليومية وفضح الممارسات التي تتعارض وحقوق الإنسان. وهي اداور نضالية تتماشى ودعم إنتفاضة القدس.
ثالثاً: إنضمام فلسطيني المناطق المحتلة عام 1948
إن فلسطيني الأرض المحتلة عام 1948 هم جزء أصيل ولا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني ومساهمتهم في إنتفاضة القدس تشكل رافعة أساسية في نجاح مسيرتها وهو ما ظهر مؤخراً جلياً في حضور فلسطينيي الأرض المحتلة في إنتفاضة القدس.
وأن إنخراطهم بإنتفاضة القدس شكل تغيراً نوعياً على الأرض. وتعود مشاركتهم لما يعانون من الإحتلال وسياسته الرامية إلى إلاقصاء والتهميش التي تصب ضدهم من قبل السياسة الصهيونية العنصرية، ومن خلال إلأنظمة والتعليمات والقوانين والتشريعات الصهيونية التي تستهدف وجودهم وإضعافهم، وتهميش دورهم. خاصة بعد أن وافق مجلس الوزراء الصهيوني على المضي بما يسمى بيهودية الدولة، ورفع نسبة الحسم لدخول البرلمان بهدف إقصاء الكتل العربية، والتعامل معهم بدونية، وإهمال مناطقهم من التطوير، والتعامل معهم بالشك وعدم الثقة على أنهم قنبلة موقوته داخل الكيان الصهيوني، وأن اُصولهم تجذبهم للمقاومة اكثر ما تجذبهم المغريات الصهيونية للإنطواء تحت إسرائيلية الهوية وإلإنتماء والولاء.
ففي مقالة الإسرائيلي”ألون أفيتار” في صحيفة بديعون أحرنوت، بتاريخ 15/10/2015، حول ” إنجازات الفلسطينين في موجه العنف الحالية” فيما يتعلق بالوحدة الوطنية الفلسطينية وإنضمام فلسطيني الأراضي المحتلة عام 1945 ، قال:” لقد عادت حمية الكفاح المشترك الذي إنقطع مع نهاية إلإنتفاضة الثانية لتوحد الشارع العربي الفلسطيني. فالمناطق الأربع المعزولة جغرافيا وسلطويا ، الضفة، قطاع غزة، شرقي القدس و” عرب” إسرائيل، تعمل مرة اُخرى كشعب واحد.” واستطرد أنها ” تزحف في ذات إلاحراش”، “وتقود على نحو مشترك الكفاح العنيف ضد إسرائيل، كل منطقة تساهم بنصيبها في تصعيد موجه الإرهاب.والفهم بأن الجميع “أو ممثليهم” متراصون ويحملون ذات الراية ، يعزز القاسم المشترك في أوساط المجتمع العربي الفلسطيني، الهوية والأحساس والإنتماء..”
ولا نستطيع أن نغفل الحراك الشعبي القائم في مناطق فلسطين عام 48، بإلاضافة إلى دور للأحزاب السياسية العربية ودورها في النضال ضد سياسة التفرقة والتمييز العنصري التي تمارسها سلطات الإحتلال بهدف جعلهم أقلية مهمشة مفصولة عن عروبتها وقضاياها الوطنية.
ففي المناطق المحتلة عام 48 وجود نشط للأحزاب السياسية العربية متمثلا بالجبهة الشعبية العربية والحركة الإسلامية ” داخل الخط الأخضر والشمالية” وحركة الأرض والحزب الديمقراطي العربي، والتجمع الديمقراطي والحركة العربية للتغيير، والتيار العربي الإسرائيلي، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وحركة أبناء البلد، وائتلاف جبهة الناصرة الديمقراطية المكون من الحزب الشيوعي، ورابطة الجامعيين ومعلمي المدارس الثانوية، ولجنة التجار والحرفيين ولجنة الطلاب الجامعيين ” أبناء الناصرة”، والقائمة التقدمية للتغيير.
وقد شاركت جميعها بالحراك السياسي فمنها من شارك بإنتخابات المجالس البلدية ومنها من شارك بالبرلمان، ولهم برامج سياسية خدمية. قد نتفق أو نختلف مع توجهات كل تيار أو حزب، إلا أن أغلبهم تأسس على طريق مقارعة المحتل الذي وضعهم على قائمة الإقصاء والتمييز وعزلهم في جيتوات، بلا خدمات ولا تحسينات نوعية على حياتهم على مدار ثمانية وستين عاماً. لذلك يبدو أن التنسيق مع بعض هذه الكتل والأحزاب الوطنية بهدف حشد جماهير الأرض المحتلة لمناصرة أنتفاضاته أمر قائم. حيث أن بعضهم يناضل لتحسين أوضاع مواطنيهم من حيث توفير الخدمات والبنى التحتية، من خلال القوانين والتشريعات، وآخرون يأخذون مواقف تعبر حقيقة عن الشارع الفلسطيني من خلال نضالاتهم التي تسعى لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ودورهم في الكشف والحد من العنصرية الصهيونية إلإسرائيلية.
أما شكل و اُسلوب النضال التي تتبعه الأحزاب السياسية العربية في الأراضي المحتلة عام 48 فله خصوصيته، فإسرائيل تعتبرهم جزءاً من الدولة من جهة ، وتمارس ضدهم كل اشكال التمييز والإقصاء والعزل والتهميش، على أساس أنهم عرب وفلسطينين، من جهة اُخرى، وهذا الأمر خدم القضية الوطنية من ناحية أنهم حافظوا على عنفوانهم وإنتمائهم الفلسطيني العربي الإسلامي، ولم ينخرطوا في الأغلب في ولائهم لدولة الإحتلال، وترسخت لديهم القناعات أكثر وأكثر أن دولة الإحتلال المغتصب للحقوق لا يمكن أن تمنحهم حقوقهم. وأخذت أدوارهم تتعاظم شيئاً فشيئاً في الحراك الشعبي الفلسطيني.
لقد إستطاعت الأحزاب العربية في الأراضي المحتلة 48 أن تشكل إئتلافاً للأحزاب العربية أهّلها أن يكون لها ستة عشر نائباً في الكنيست، من مختلف التيارات الدينية والوطنية واليسارية واليمينية.
ومن هنا ظهرت كتل عربية شكلت تحالفاً وطنياً قومياً يسارياً إسلامياً داخل البرلمان الصهيوني لمواجهة الإقصاء والتهميش ككتلة قوية ونافذة التأثير، حيث تم إنتخاب محمد بركة بتاريخ 24/10/2015 رئيساً للجنة المتابعة العليا للوسط العربي الفلسطيني. والأمال معقودة على تعميق إلإنتماء والولاء العربي لفلسطيني 48، بما يساهم بشكل أكثر فاعلية في الحراكات والإنتفاضات على مستوى فلسطين.
رابعاً: دور السلطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية والتنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال.
تعاني السلطة الفلسطينية وقيادتها من العجز والترهل والتخبط في القيام بمسؤولياتها وتلبية طموحات الشعب في إدارة الشأن العام للدولة ومواجهة الإحتلال وتعسفه والإستفزازات الصهيونية باعتداءاتها المتكررة على الأقصى والمقدسيين، والإنجاز الهش لها على أرض الواقع.
ولا نستطيع أن نقول أن السلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر، حاضنة وطنية لإنتفاضة القدس وذلك من واقع تصريحات رئيس السلطة والمسؤولين الرسميين.
ففي تصريح للرئيس محمود عباس، أكد فيه أن السلطة الفلسطينية تنسق مع “إسرائيل” من أجل الوصول إلى المستوطنين المفقودين، وأن التنسيق مع “إسرائيل” مصلحة للفلسطينيين حتى لا تندلع إنتفاضة جديدة.“
ومن المؤشرات على رفض السلطة دعم إنتفاضة ثالثة وفي تصريح آخر ادلى به محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية لإحدى القنوات إلإسرائيلية، حيث أعلن من خلالها عن تنازله عن حقه الشخصي في العودة إلى مسقط رأسه مدينة صفد المحتلة 48، ورفضه قيام إنتفاضة ثالثة في الضفة الغربية المحتلة المحتلة عام 67.
في أكثر من تصريح لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، ومن على قناة العربية التلفزيونية وقال:”أنه ضد ا لمقاومة علناً، وسيستمر في منع العمل العسكري وضد الكفاح المسلح ضد إسرائيل ولن تكون هنالك إنتفاضة مسلحة ثالثة ما دام رئيساً للسلطة”.
وفي تصريح لنمر حماد مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يعكس فيه توجه القيادة الفلسطينية في أنها “لا تريد إشعال إنتفاضة ثالثة”، مشيراً إلى أن إسرائيل ترغب بالعنف في المرحلة الحالية لأنها تعتقد أنه من مصلحتها إظهار القيادة الفلسطينية بمظهر من يدفع تجاه العنف.
وأردف قائلاً: “البعض يريد أن يذهب في مواجهة شاملة من أجل الوصول إلى عنف وعنف متبادل”. وأكد حماد أن “القيادة ستدعم أي عمل طابعه سلمي مقاوم“
واضح أن السلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها وتصريحات مسؤوليها حسمت موقفها من قيام إنتفاضة ثالثة، ولو قامت لن يدعمها، وسيضغط على الفصائل بعدم المشاركة، كما هو حاصل حاليا. وهذه من إلاسباب التي دعت الجماهير الشعبية الفلسطينية إلى أخذ زمام المبادرة واطلاق إنتفاضة القدس.
أضف إلى ذلك إستمرار التنسيق الأمني ما بين السلطة الفلسطينية وسلطات الإحتلال من جهة ، وإلى قيام الأجهزة الأمنية بمنع أية حراكات في الضفة الغربية التي تخضع لسيطرتها.
وحسب تقرير لجنة اهالي المعتقلين السياسين في الضفة الغربية فقد قامت أجهزة السلطة في شهر ايلول 2015باعتقال 82 شخصاً،منهم 52 اسيراً محرراً، عدا عن إلاستمرار في إعتقال الشباب الناشطين في إلإنتفاضة الأمر الذي عطل جزئيا مسار المقاومة، مما قاد إلى الحراك الشعبي كخيار متاح.
كما اشارت اللجنة، إلى أنها رصدت 265 أنتهاكا للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، خلال شهر كأنون الأول من العام 2015، في ظل استمرار “إنتفاضة القدس”.
كما أشار التقرير” إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بالضفة “واصلت أنتهاكاتها بحق المواطنين بسبب إنتماءاتهم السياسية”، مشيراً إلى قيامها الشهر الماضي بإعتقال 121 مواطناً فلسطينياً “على خلفية أنتماءاتهم السياسية”.
وأنتقد وزير الأسرى الفلسطيني الأسبق، ما وصفه بـ “إصرار الأجهزة الأمنية الفلسطينية على إستمرار التنسيق والتعاون الأمني مع الإحتلال، “رغم وجود قرار من المجلس المركزي الفلسطيني بوقف كل مظاهر وأشكال هذا التنسيق والتعاون”. علما أن اكثر من سبعمائة ألف مواطن فلسطيني ذاقوا مرارة الأسر منذ العام 1967، وأصبحوا يشكلون فيما بعد ما يعرف ” بالجبهة الوطنية الأسيرة”
خامساً: الحاضنتان الشعبيتان؛ العربية والإسلامية
ندرك الفارق النوعي ما بين الحاضة العربية الرسمية وتحالفاتها التي تكمن مصلحتها في الحراك الناعم، والتي لا تؤيد تصاعد الحراكات والهبات وإلإنتفاضات داخل الأرض المحتلة . وأن من مصلحتها التنسيق ودعم رئيس السلطة الفلسطينية الحالي الرافض لقيام إنتفاضة ثالثة، وبين الحاضنة الشعبية التي تسعى إلى المقاومة والتحرر والتي تسدد الفاتورة من دمها الزكي تروي تراب الوطن وتروي شرايين الكرامة العربية اباءاً وشهامة.
وما تعانيه المنطقة العربية من حالة إنقسام وإقتتال غير مسبوقة لإسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا، تساهم بشكل أو بآخر بتشكيل عبء آخر على إلإنتفاضة الحالية. إلا أن ما يعنينا هنا إلاقتتال في أربع دول عربية كبيرة ” العراق، سوريا، ليبيا واليمن”. شكل معيق وتحد أمام مسار إنتفاضة القدس وحل القضية الفلسطينية، لا بل وضع إلإهتمام بالقضية بعيداً عن الضوء، عدا أنه أعطى لسلطة الإحتلال اليد الطولى في إلاستمرار في تنفيذ سياستها في بناء المستوطنات، وإحداث تغيرات في جغرافية القدس تظهر فيها رموزها الدينية والصهيونية، بهدف طمس الهوية العربية والاسلامية للمدينة. والقيام بمزيد من إجراءات القمع والقتل والتنكيل والأسر والعقاب الجماعي ضد الفلسطينين، واستفادت من ذلك عالميا من خلال فبركة آلة الاعلام الخاصة بها لما يتم داخل فلسطين المحتلة.
إضافة إلى الدور المصري، بعد إلإنقلاب العسكري ، حيث قام بتشديد الخناق على المقاومة وبخاصة في غزة، ودعم السلطة الحالية في مسارها في تضييق الخناق على المقاومة في الضفة الغربية والتشديد عليها، إضافة إلى إستمرارها في التنسيق الأمني مع إسرائيل.
لقد عكس التدخل الغربي في وطننا العربي وما نتج عنه من الإقتتال والحروب إلاهلية في عدد من بلدان الوطن العربي سلبا على القضية الفلسطينية، خاصة بعد فشل ثورات الربيع العربي في تحقيق تطلعاتها ، فقد عمد الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا إلى خلق فوضى في هذه البلدان بهدف إبقائها في حالة إحتراب طائفي إقليمي، وفي نفس الوقت حافظت على تأمين مصالحها من المصادر الطبيعية وبخاصة النفط والغاز، و تأمين المواقع إلاستراتيجية البرية والبحرية والمضائق والجوية تحت سيطرتها وغيرها .
إن التحرك الرسمي العربي بإتجاه دعم إلإنتفاضة مخجل ولا يتعدى المواقف الإعلامية الرسمية والتي لا تغني ولا تسمن من جوع. وما يهمنا هو الدعم الشعبي في مختلف البلدان العربية، والذي تم التعبير عنه فقط في مظاهرات ومسيرات وحراكات تدعو إلى دعم إنتفاضة القدس.
ورغم محاولة إسرائيل تجيير الوضع العربي المتردي لصالحها وإلاستفادة منه في فرض مزيد من إجراءات القمع والقهر ضد الجماهير الفلسطينية وفي تصعيد عمليات بناء المستوطنات حيث زاد بناء المستوطنات عام 2014 ما نسبته 40% عن السنوات السابقة، بهدف تغيير ملامح المدينة المقدسة وفصل الحنين الفلسطيني عن المكان، ودفعه ليعيش غربة المكان، ومحاولات إلإسرائيليين اليائسة بفرض التقسيم الزماني للاقصى بين المسلمين واليهود.
إضافة إلى سعي إسرائيل إلى توسيع مظلة علاقاتها مع الدول العربية تمهيدا لمحاصرة مشروعالمقاومة في المنطقة ضدها، وإبقاء إنتفاضة القدس تراوح في مكانها دون دعم ومساندة عربية، بما يسهل عليها تنفيذ مخططاتها إلإستيطانية والتوسعية وتهويد مدينة القدس.
رغم ذلك إنطلقت إلإنتفاضة، وشكلت تحدياً ومثالاً ، في أن المواجهة الحقيقية يجب أن تكون ضد المحتل والعدو الصهيوني، وأن القضية ألفلسطينة مركزية القضايا العربية والإسلامية ففي حلها يكمن حل العديد من القضايا في المنطقة العربية وتحقيق السلام وإلاستقرار الحقيقين في الشرق إلاوسط.
و ضمن إطار مشروع دعم ومساندة وطنية عربية اسلامية تأتي أهمية الدعم الشعبي العربي والإسلامي والذي لم يصل بعد حد الطموح المأمول منهما، ، وليس خافيا على أحد أهمية المشاركة الشعبية العربية والإسلامية، في مساندة ودعم إلإنتفاضة ولضرورته في المحافظة على ديمومتها في تحقيق تطلعاتها واهدافها الأمر الذي يتطلب في هذه المرحلة الحرجة أن يكون هنالك حراك عربي واسلامي متحد وقوي لدعم إنتفاضة القدس. فقد تم تحرك عربي أخذ شكل مسيرات ومظاهرات ومهرجانات، لكن في حده إلادنى في كل من الأردن ومصر والسودان، وموريتانيا والمغرب. وأنتهى الأمر كدور شعبي عربي عند هذا الحد. خاصة أن الحافز الإسلامي في الدفاع عن القضية ألفلسطنية وفلسطين والقدس الشريف. وأن الوازع الإسلامي في إلالتفاف حول إلإنتفاضة يتمثل في الدفاع عن الضمير الإسلامي الذي جاء واضحا في القرآن الكريم” أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين”. الذي يتعرض هذا الرمز المقدس والذي يصيب مشاعر المليار ونصف المليار مسلم إلى المهانة والتدنيس من قبل سلطات الإحتلال والمستوطنين. وهذا بحد ذاته كفيل أن يحرك الجماهير العربية والإسلامية على بكرة ابيها. إلا أن ما يحدث على ارض الواقع لا يشير إلى ذلك لا من قريب ولا من بعيد. فالحراكات الرسيمة الإسلامية لم تتعدى إلادانة والتنديد، كالعادة، واما المشاركات الشعبية الإسلامية ففي حدها إلادنى. وفي الدول الإسلامية أخذت صورة تنديد وإدانة في عدد منها.
سادساً: التضامن الدولي وتفعيل المقاطعة و الرأي العام الغربي
إنتفاضة القدس حملت البيت الأبيض إلى دعوة كل الأطراف إلى الهدوء وتجنب الأقدام على “أفعال قد تؤجج التوتر”. وعبر جوش إيرنست المتحدث باسم البيت الأبيض عن القلق الشديد من تصاعد العنف في القدس والضفة الغربية، وحث إلإسرائيليين والفلسطينيين على إستعادة الهدوء بعد سلسلة من الهجمات. وقال في بيان أصدره البيت الأبيض “تدين الولايات المتحدة بأشد العبارات الممكنة العنف ضد المدنيين إلإسرائيليين والفلسطينيين.” وأضاف “ندعو كل إلاطراف إلى إتخاذ خطوات إيجابية لإستعادة الهدوء وإلامتناع عن الأفعال والأحاديث التي قد تؤجج التوتر في تلك المنطقة من العالم“.
عربياً وعلى المستوى الرسمي كانت جامعة الدول العربية قد فرضت “مقاطعة رسمية للبضائع اليهودية، وطالبت كل المؤسسات والمنظمات والتجار وإلافراد العرب برفض التعامل بالبضائع الصهيونية أو توزيعها أو إستهلاكها” والمقاطعة التي فرضتها جامعة الدول العربية شملت ثلاثة مستويات: المقاطعة من الدرجة الأولى ولا تزال مطبقة في عدد من الدول العربية، تشمل البضائع والخدمات المصدرة من الكيان الصهيوني. والمقاطعة من الدرجة الثانية، تشمل الشركات غير العربية التي تتعامل مع الكيان الصهيوني. والمقاطعة من الدرجة الثالثة، وتشمل الشركات التي تشحن بضائعها من خلال المنافذ الصهيونية. والمقاطعة العربية رسمياً ما زالت قائمة حتى اللحظة، إلا أن الكثير من البضائع والمنتجات الصهيونية تصل إلى العديد من الدول العربية، حيث كان يتم في السابق شحن البضائع إلإسرائيلية عبر دول وسيطه ، “قبرص” ، على سببيل المثال.
إلا أنه وبعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني سنة 1978، ومعاهدة أوسلو بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني سنة 1993، ومعاهدة وادي عربة بين الأردن والكيان الصهيوني سنة 1994، ثم إفتتاح سفارات وممثليات صهيونية في القاهرة وعمان، وفي قطر، والمغرب، وموريتانيا، وتونس، وعُمان، وحكومة كردستان العراق، الأمر الذي سهل إنسياب المنتجاب الصهيونية إلى تلك البلدان.
ولا نخفي دور التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية وإنتفاضته، فقد قامت العديد من المظاهرات في امريكا وبريطانيا، وفرنسا، وايطاليا، والمانيا والمجر، والدانمارك، شارك فيها فلسطينيو الشتاب ومناصرو القضية وبرلمانيون أوروبيون ومنظمات مجتمع مدني. كشكل من أشكال ومظاهر التضامن الدولي والمناصرة مع الفلسطينين ضد سياسية الكيان الصهيوني .
تعتبر مقاطعة الكيان الصهيوني ومنتجاته وشركاته ومؤسساته الأكاديمية، أحد ادوات المقاومة الشعبية الفعالة، وتنحى المقاطعة منحى مدنيا في ذلك، وتستفيد من المنابر المناصرة لها وبخاصة على الساحة الدولية. وتهدف المقاطعة أيضا إلى فضح الإحتلال الإسرائيلي وممارساته النازية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. وإلى وقف جميع اشكال التطبيع السياسي والإقتصادي والثقافي والبيئي ومع ما يسمى لجنة التواصل مع المجتمع إلإسرائيلي، وإلى حظر التعامل مع الشركات الصهيونية ، والدعوة إلى وقف التعامل مع اتفاقية التجارة العالمية الحرة. وإلى وقف التعامل مع الوثائق التي يصدرها الكيان الصهيوني.
توحد مثقفون وأكاديميون فلسطينيون بالعمل على المقاطعة الإقتصادية والأكاديمية والثقافية، وتم اطلاق الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل في عام 2014، ودعوا فيها إلى مقاطعة شاملة ودائمة للمؤسّسات حتى تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقيّة، ونزع وأزالة مستوطناتها في تلك الأراضي والإنصياع إلى قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتفكيك نظام الأبارتهايد.
وأطلق ناشطون فلسطينيون في الداخل والشتات ومناصرون “أسبوع مقاومة الأبارتهايد إلإسرائيلي” الذي أقيم للمرة الأولى في تورنتو الكندية عام 2005. والأخر بتاريخ 24/2/2014 نظمه طلاب جامعيون وناشطون في 200 مدينة حول العالم .
كما تم تأسيس حملة عالمية في العام 2004 أصبحت لاحقاً حركة تحت اسم “حركة مقاطعة وسحب إستثمارات وعقوبات ” على الكيان الصهيوني. أسستها الهيئة التنسيقية للقوى الوطنية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني وإتحادات فلسطينية ونشطاء فلسطينين في الداخل والشتات، بالتعاون والتنسيق مع منظمات عالمية مناصرة للقضية الفلسطينية. وقد عرفت بإلاختصار إلأنجليزي BDS، وهي تعني (BOYCOTT, DIVESTMENT, SANCTIONS). وتدعو إلى مقاطعة المنتجات الصهيونية وسحب إلاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها لإنتهاكها القانون الدولي وحقوق الإنسان. كما تدعو إلى إنهاء الإحتلال وإلاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية وحق العودة لللاجئين، وإلى إزالة جدار الفصل العنصري. وقد تعاظم دورها في أعقاب العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2008، وأنتشرت إنتشارا واسعاً عربياً وعالمياً، وأنضم اليها المتطوعون والمناصرون للقضية الفلسطينية من مختلف أنحاء العالم. ولم تقتصر المقاطعة على الجانب إلاقتصادي، بل تعدته إلى الجوانب السياسية على إعتبار إسرائيل كياناً عنصرياً، وإلى إلاكاديمي في مقاطعة الجامعات والكليات ومراكز البحثية، والثقافية والرياضية والفعاليات الموسيقية الصهيونية وغيرها.
فقد ذكرت صحيفة بديعوت أحرونوت العبرية في عددها الصادر يوم3/2/2014 :”أن خسائر سلطات الإحتلال في حال إستمرار المقاطعة ستصيب سبعين مصنعا في المستوطنات والمزارعين في مستوطنات غور إلاردن. وأن هذه الخسائر في حال استمرار المقاطعة ستبلغ عشرين مليار دولار امريكي، وستسبب بطالة لعشرة آلاف عامل.”
ومن نتائج المقاطعة:
* تضرر إلاقتصاد وسمعة المؤسسات إلاكاديمية الصهيونية التي إتصفت بالعنصرية مما إضطر حكومة بنيامين نتنياهو إلى رصد مبلغ ثلاثين مليون دولار امريكي لمواجهة تأثير المقاطعة من خلال حملة دعائية مضادة للمقاطعة.
* إستمرار المقاطعة العربية الرسمية على المنتجات الصهيونية من الدرجة الأولى.
* مقاطعة الإتحاد الأوروبي للمستوطنات ولمنتجاتها في الضفة الغربية المحتلّة وعدم تمويل مؤسسات إسرائيلية لديها علاقات مع المستوطنات.
* سحب صندوق التقاعد الهولندي أمواله من 5 مصارف إسرائيلية بسبب تورطها في خرق القأنون الدولي الإنساني. كما قام صندوق التقاعد النرويجي بالتخلص من أسهمه في شركات وبنوك ممولة لبناء المستوطنات. كما قامت شركة مياه هولندا الحكومية بالغاء عقد مع شركة مياة إسرائيلية.
* رفض عدد من الدول العربية والإسلامية دخول أراضيها أي شخص حاملاً لجواز الكيان الصهيوني ، أو أي شخص يحمل تأشيرة أو ختم دخول وخروج على جواز سفره من قبل الكيان الصهيوني. (UCU) ـ
* إنضمام إتحاد الجامعات والكليات العالمي للمقاطعة الأكاديمية (UCU). وقاطعت جميعة الدراسات الأمريكية ASA سلطات الإحتلال اكاديمياً. كما قاطعت جامعة الدانمارك المهنية جامعة إسرائيلية تقيم مبانيها داخل إحدى المستوطنات في الضفة الغربية .
* إنضمام نقابة عمّال في بريطانيا للمقاطعة.
* إنضمام اتّحاد الصحافيين البريطانيين إلى المقاطعة.
* إنضمام اتّحادُ نقابات العمّال في جنوب أفريقيا (COSATU) للمقاطعة.
* إنضمام مجلس الكنائس العالمي للمقاطعة.
* إنضمام مجلس كنائس جنوب أفريقيا للمقاطعة.
* قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بإزالة الجدار العازل.
* مقاطعة اُدباء ومثقفين وفنانين عالميين لبوا نداء المقاطعة في عدم إقامة إلأنشطة وألفعاليات في الأرض المحتلة. فقد ألغي الأمريكي ستيف واندر عام 2012مشاركته في حفل كان مقدراً أن يخصص ريعه لصالح الجيش الإسرائيلي.
* تبنى إتّحاد الجامعات والكلّيات للمقاطعة الأكاديمية التدريجية لإسرائيل. والتحقت بالمقاطعة نقابة عمال بريطانيا وإتحاد الصحافيين البريطانيين وإتحاد نقابات العمال في جنوب افريقيا، وغيرها في كندا وإيرلندا واسكتلندا. كما أيد المقاطعة مجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس جنوب افريقيا وبريطانيا.
كما قاطع ما يزيد على سبعماية وخمسين شخصية عالمية من الفنانين البريطانيين في مختلف مجالات الفن والأدب والموسيقى لإنكارها الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وفي مجال الرياضه إنسحبت شركة أديداس من المشاركة في ماراثوان اقيم في القدس الشرقية عام 2012.
سابعاً: ردود الفعل إلإسرائيلية الصهيونية
أن تأثير إنتفاضة القدس كبير على إلإسرائيليين، فقد أخذت ردود ألفعل الإسرائيلي أبعاداً مختلفة من الذعر والهلع على قطاعات مختلفة، فمنها ردود فعل المستوطنين، التي ساهمت إلإنتفاضة باختفائهم عن الظهور لفترة خوفاً من أن يستهدفوا ، وإلى التصريحات الرسمية إلإسرائيلية التي تتسم بين التخبط والخوف والتهديد في التعامل مع إنتفاضة القدس، بإلاضافة إلى تصريحات المسؤولين والعسكريين حول أسبابها. وإلى الكم الهائل من المقالات التي كتبت حولها. لكن في إلاجمال كان وقع إلإنتفاضة عليهم جميعاً اذعانياً اصابهم بالخوف والتوجس . مما دفع بالعديد من الكتاب إلى الدعوة إلى أهمية إيجاد حلول تسمح بالتعايش السلمي.
وقد إنعكس تأثير انتفاضة القدس على حياة إلإسرائيليين اليومية وقد ظهر ذلك جلياً من خلال عدد القتلى وإلاصابات بين صفوفهم وصفوف المستوطنين، وتأثيرها على إلاقتصاد الإسرائيلي الذي تعطل في مناطق الضفة الغربية والقدس، فمن المؤكد أن استمرار إلإنتفاضة القدس سيؤدي إلى رفع نسبة العجز في ميزانية إسرائيل، والتي بلغت العام ا لماضي 2014 ما نسبته 3.6%.، عدا عن التأثير المباشر الذي اصاب السياحة الواردة إلى المناطق المحتلة بالركود. وكلها عناصر تصب في مصلحة إلإنتفاضة. وهو ما اضطر دولة الإحتلال إلى إتخاذ مواقف راضخة لإنتفاضة القدس وأهمها تخفيف القيود المفروضة على زيارة المسجد الأقصى والحد من إعتداءات المستوطنين على المسجد وحراسه والمرابطين. محاولة من سلطات الإحتلال تخفيف حدة إلاحتقان لمواجهة إنتفاضة القدس، حيث قامت باتخاذ بعض إلإجراءات مثل فتح المسجد الأقصى للصلاة لجميع المسلمين من كافة الاعمار يوم 23/10/2015، ومنع المستوطنين لفترة مؤقته من إقتحام الأقصى، لإعتقادها أن ذلك سيخفف من زخم إنتفاضة القدس.
كما اثرت إلإنتفاضة على حرية تنقلات المستوطنين، هذا عدا عن التأثير النفسي والمعنوي الذي أصاب جيش الإحتلال بقتلاه وإصاباته وتأثير ذلك على المستوطنين وإلإسرائيليين، والهجرة العكسية من فلسطين المحتلة إلى الخارج والأخذة بإلازدياد، وتضرر إقتصاد العدو الصهيوني وسياحته وأصاب شلل قطاعات عديدة مهمة.
ولتخوف إلإسرائيليين من إمتداد إلإنتفاضة، عقد المجلس الوزاري إلإسرائيلي، المصغر سبعة إجتماعات، أمنية، لمناقشة الأوضاع ثم تلاها تسعة إجتماعات للأذرع الأمنية لصياغة خطة لمواجهة إنتفاضة القدس بهدف العمل على وقف سيل أحداث إلإنتفاضة المتتابع.
وقد صرح هرتسي هليفي رئيس جهاز إلاستخبارات العسكرية إلإسرائيلية (أمان):” أن فيديوهات عمليات الطعن والمواجهات التي تنتشر في مواقع التواصل الإجتماعي، خلقت حالة رعب لدى إلإسرائيليين، لو وجد عام 1948 لما قامت إسرائيل.”
في حين أفتى اكبر حاخامين في إسرائيل بتحريم دخول اليهود للمسجد الأقصى، ووقّع الفتوى ما يقارب من المائة حاخام إسرائيلي، وأتت الفتوى كرد فعل على ما حصل في المسجد الأقصى في القدس الشريف.
وفي مقالة “ الحجر النفق السكين لكاتبه “يرون لندن” نشره في صحيفة يديعوت بتاريخ 2/12/2015 كتب، يظهر تأثير فعل إنتفاضة القدس وتأثير سلاح السكاكين على نفسية إلاسرئيليين:
” كل واحدة من إنفجارات العنف الفلسطينية تميزت بسلاح أساسي إستخدمه المهاجمون. نوع السلاح يؤثر على نتائج المعركة ليس فقط من ناحية عدد الضحايا والجرحى بل وأيضا من ناحية الرواسب النفسية والمعاني الرمزية التي يخلفها.” ويستكمل أن الدوافع لدى الفلسطينين بالمقاومة لا يمكن التغلب عليها عسكريا:” أما حملة السكاكين الفلسطينيين. فهم يتحركون بالغضب الفظيع واليأس التام. وهذه دوافع لا يعرف أي خبير عسكري كيف ينتصر عليها.“
ويعترف عميرة هاس في مقالته “الشبان الفلسطينيين المسلحين بالحجر والكوفية أقوى وأجرأ من الجنود إلإسرائيليين” التي نشرت في الثالث من تشرين ثأني 2015 مشيدا بشجاعة المتظاهرين وقال:” عند الحديث عن الجرأة والشجاعة، فإن المتظاهرين الفلسطينيين ينتصرون على الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود، وهم مسلحون بالكوفية وسرعة الحركة والحجارة وزجاجات المولوتوف، وأولئك مسلحون بالتدريبات العسكرية والاليات المصفحة والطائرات بدون طيار والخوذات وبالسلاح الحي القاتل والغاز المسيل للدموع السام. أمام شجاعة الشبان الفلسطينيين يتكشف الجنود إلإسرائيليين بخوفهم، وتم تدريبهم ليشعروا بالقوة والبطولة من الطائرات والدبابات، وفي غرف التحقيق وابراج المراقبة، ومعهم إلادوات المتطورة والذكية. بإلاقتحامات الليلية للبيوت وإعتقال إلاطفال من أسرتهم، في الجيبات المصفحة. أمام الكوفية والحجر والزجاجة الحارقة يضيعون، يهانون، وعندها يبدأ إلأنتقام”
واشار المحلل الإسرائيلي العسكري عاموس هرئيل في “جريدة هآرتس” وفي معرض حديثة عن إنتقال إنتفاضة القدس إلى الضفة قال :” أنه وبحسب تقديرات إلاستخبارات إلإسرائيلية تعتقد أن إنفجار الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية مسألة وقت، وقد يكون بعد أشهر معدودة ” كما اشار على أنه في حال دخول حركة فتح الهبة الشعبية هذا يعني تسليح الهبة وتغير شكلها ونوعية عملها.”
كان رد سلطات الإحتلال دائما يتسم بالذعر من أية تحركات فلسطينية باتجاه كسر طوق الإحتلال. وتدير عقلية الإحتلال في تحركة نازيته وعنجهية ا لمحتل الذي يتسخدم القوة المفرضة في الرد على العمليات إلاحتجاجية التي يقوم بها الفلسطينين. وتمثلت في إلاعدامات الميدانية هدم بيوت منفذي العمليات، وسحب هويات المقدسيين منهم ومصادرة الممتلكات، وتشجيع مزيد من المستوطنين على حمل السلاح، والتصريح لجنودها في استخدام الرصاص الحي حتى في التظاهرات التي يقوم بها الفلسطينيون، واستخدام العنف المفرط ضدهم.،ردود فعل قهرية وتنكيل وقتل ومداهمات وهدم منازل واعتقإلات وتعزيزات امنية عند نقاط التفتيش ” الحواجز”.
الخاتمة
كلمة أخيرة ، لتعزيز ديمومة إلإنتفاضة يجب التركيز على وجود قيادة مركزية ورؤية إستراتيجية لضمان إستمراريتها، ففي إنتفاضة الحجارة “1989-1992″كان لها قيادة موحدة، وفي إلإنتفاضة الثانية، إنتفاضة الأقصى 2000-2004” ساهم الدعم الشعبي والعمليات الإستشهادية ومساندة فلسطيني عام 1948، ومشاركة الفصائل الفلسطينية دوراً كبيراً في استمرار زخمها وتأثيرها.
إن إستمرار إنتفاضة القدس وإستهداف، في المرحلة الأولى منها، المستوطنات والمستوطنين ، العصب الحيوي لدولة الإحتلال، سيساهم في مضاعفة الهجرة الصهيوينة العكسية من فلسطين للخارج وعودتهم من حيث أتو، ووقف بناء المستوطنات، ووقف إلاعتداءات المتكررة على الأماكن المقدسة في القدس والخليل والأراضي المحتلة، وسيساهم بتحرير الأسرى، وإنهاء معاناة المواطن الفلسطيني في القدس والأراضي المحتلة.
لكن ذلك يحتاج إلى بناء إستراتيجي لمقدرات إلإنتفاضة حتى تبقى مستمرة وتخرج من عنق الزجاجة في إلاستمرار وابقاء جذوتها مشتعلة ومستمرة بدون أنقطاع، وتعزيز القيادات الشابة التي تقود هذه إلإنتفاضة والتي ستكون القيادة البديلة للقيادة الحالية التي تسير في قطار التفريط في الحقوق الفلسطينية الثابتة للشعب الفلسطيني: الإنسان والأرض.
فلو ألقينا نظرة سريعة على عناصر القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديد الذي يواجه إنتفاضة القدس لقلنا ببساطة إن من عناصر القوة أن الإنسان الفلسطيني في مجتمع فتي وشاب يناضل على أرضه وبين شعبه في سبيل تحقيق التحرير، يدعمه في ذلك الشعوب العربية وأحرار العالم، إضافة إلى المواثيق الدولية التي أكدت على حقه في استرجاع ما اُحتل من اراض عام 1967، وضمان حق العودة لللاجئين والتعويض ،وأن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الناشئة، وهي ثوابت لا يملك أن تتنازل عنها أية قيادة فلسطينية، إضافة إلى إصرار الفلسطيني على تحرير ما سلب منه من وطن، و الذي شكل جزءاً من كبريائة وشخصيته الوطنية. وأنه مسلح بإلايمان بحتمية إنتصار قضيته. وأن مكامن الضعف تأتي من أنه شعب أعزل وغير مسلح، أمام آلة عسكرية يحسب لها حساب في المنطقة وتحظى بدعم أمريكا والغرب، وإضافة إلى إلأنقسام الحاصل بين الفصائل وإتفاقيات أوسلو التي تقيدهم، ودور السلطة الفلسطينية وقيادتها الهزيلة في الدفاع عن القضايا التاريخية للشعب الفلسطيني، والتنسيق الأمني مع السلطات إلإسرائيلية، وأن النظام السياسي العربي وعلاقاته السرية والعلنية مع دولة الإحتلال في تصاعد، وهو لا يدعم التوجهات الشعبية بالتحرير، لا بل يشكل عائقاً أمام الحراك الشعبي الفلسطيني. وما يقره الإحتلال من أنظمة وتعليمات وقوانين وتشريعات عسكرية ومدنية خدمة لهدف تثبيت إحتلاله للاراضي المحتلة ومحاولاته المتكررة ضم كامل القدس عاصمة له ، وأنه يعتقد واهماً أنه بإجراءاته التعسفيه يرغم ويشجع الشبان الفلسطيني على الهجرة خارج فلسطين ليحل محلهم مستوطنين، وقيامه بفرض العقوبات الجماعية ، وإلاعدامات الميدانية للشباب، وإلاعتقإلات واصدار احكام السجن على المناضلين الفلسطينين من خلال محاكمات صورية، وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وإلاستيلاد عليها بكل الطرق غير الشرعية. و إلاستمرار في بناء المستوطنات وتشجيع هجرة إلإسرائيليين من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين.ومحاولاته تفريغ الأرض المحتلة من سكأنها والتخطيط لديمغرافيه سكانية ومكانية تخدم أهدافه من خلال إقرار يهودية الدولة . وأن الإحتلال من باب أن يبقى الفلسطيني ضعيف في وطنه حاربه في صناعته وزراعته وتجارته، محاولاً ابقائة في خانة المستهلك فقط.
إلا أن الشعب الفلسطيني الذي يحول التهديدات إلى فرص ، لا يتوقف على النضال في تحقيق دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
وتساهم القيادة الفلسطينية الحالية بالعمل على أنهاء هذه إلإنتفاضة لأنها تشكل تهديداً حقيقياً لوجودها وتفوض سلطتها. ونحن لا ننسى أن مواجهات مخيم جباليا في غزة في إنتفاضة عام 1987 ادت إلى ظهور قيادة ثورية جديدة واجهت القيادة في تلك ألفترة. وقادت اتفاقية أوسلو عام 1993 إلى إنتفاضة الأقصى عام 2000 نتيجة الشعور بخيبة إلامل في الدخول بمفاوضات مع “إسرائيل” كعدو، و تمخض عنه ولادة فيها كثير من التشوهات، وادت إلى الخلافات الحادة ما بين فتح وحماس أنذاك.
أن تراخي السلطة الفلسطينية بالتعاطي مع إنتفاضة القدس والحشد لها، شجع سلطات الإحتلال والمستوطنين على التمادي، وإعادة الكرة في إقتحامات الأقصى، حيث إقتحم خمسة وثلاثون مستوطناً باحات الأقصى تحت حراسة أمنية مشددة.
في حين يواصل المرابطون والمرابطات منذ ما يزيد عن ستة أشهر إعتصامهم خارج باب حطه في مدينة القدس، إحدى بوابات الجدار الشمالي للمسجد الأقصى، إحتجاجا على عدم السماح لهم دخول الأقصى للصلاة. هذا مع العلم أن سلطات الإحتلال وضعت قائمة باسماء ستين فلسطينيا لمنعهم دخول المسجد للصلاة، بداعي إلاحتجاج على إقتحامات المستوطنين.
في حين لا نرى تحركا حقيقاً للسلطة في مواجهة الأفعال الإسرائيلية اليومية الأستفزازية سوى الأستنكار والتنديد. وازاء الصمت العربي الذي يحيط بإنتفاضة القدس تقوم سلطات الإحتلال باغلاق عسكري لمدينة الخليل منذ بداية شهر تشرين ثان2015 وتحتجز عشرة جثامين لشهداء فلسطينين.
إلا أن ذلك لم يمنع على المستوى الدولي وزيرة الخارجية السويدية مارغوت وولستروم من أخذ مواقف علنيه ضد إسرائيل وتوجيه إنتقادات لاذعة لحكومة الإحتلال بإعدام فلسطينين من دون محاكمة في ” إنتفاضة القدس”.
فهل تقود إنتفاضة القدس إلى واقع جديد يتمثل بولادة قيادة شبابية جديدة تحل مكان الحالية، وإلى نشوء سلطة وطنية مختلفة تتعايش وتطلعات الجماهير الفلسطينية؟ وهل تنبئ هذه إلإنتفاضة على مصالحة وطنية بين الفصائل وبولادة تنظيمات جديدة على الساحة بكوادر تحاكي التحرر والتحرير؟ وهل تكون إنتفاضة القدس شرارة نحو هجرة عكسية أكبر للمستوطنين، وتفكيك المستوطنات؟ وهل هي مقدمة نحو عسكرتها والإنتقال إلى القيام بعمليات عسكرية نوعية ضد سلطات الإحتلال؟
وهل تنيئ هذه إلإنتفاضة ، في حال لم تنضم اليها الفصائل إلاُخرى والسلطة لفلسطينية بتشكل صراع ذو شعبتين واحد ضد الإحتلال وإلاخر ضد السلطة ومكونها؟ ام أنها ستكون قوة ضاغطة باتجاه تبني حل للقضية؟ وما هي التداعيات المستقبلية على هذه السيناريوها؟
وحده نضال الشعب الفلسطيني، الذي لا يكل ، والمستقبل كفيلان بإلاجابة على هذه إلاسئلة.