في الذكرى ال”51″ لحريق المسجد الأقصى … هيكلهم مزعوم ومبكاهم براقنا
في الذكرى ال”51″ لحريق المسجد الأقصى … هيكلهم مزعوم ومبكاهم براقنا
بقلم : اللواء بلال النتشة
الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس
توافق اليوم الجمعة ، الذكرى ال” 51″ لحريق المسجد الأقصى المبارك الذي اقدم عليه الإرهابي اليهودي استرالي الجنسية ” دينيس مايكل” في العام 1969 ، أي بعد نكسة حزيران عام 67 بعامين اثنين ، حيث اتى الحريق الذي شب في الجناح الشرقي للجامع القبْلي المقام في الجهة الجنوبية للمسجد ، على كامل محتويات الجناح بما في ذلك المنبر التاريخي للقائد الإسلامي العظيم صلاح الدين الايوبي . وفي اعقاب هذه الجريمة النكراء التي ادعت إسرائيل بأن منفذها مصاب بالجنون ، عمت المظاهرات كافة ارجاء الوطن المحتل والعالمين العربي والإسلامي فيما صدرت ردود أفعال غاضبة عن القادة والزعماء العرب ، في الوقت الذي تحركت فيه المملكة الأردنية الهاشمية وعلى الفور قامت بإعادة اعمار المسجد وترميم ما تم تدميره واحراقه وذلك بتوجيهات من الملك المغفور له الحسين بن طلال .
كان الاعتقاد السائد لدى قادة الاحتلال وارباب التطرف لديهم ، ان حريق المسجد سوف يردع أبناء الشعب الفلسطيني ويبعدهم عن الصلاة والرباط في الأقصى وحمايته من التدنيس والاقتحام والاعتداء ، غير ان هذه الحادثة الاثمة دفعت بأبناء القدس خاصة والكل الفلسطيني عامة ، الى حشد الطاقات وشحذ الهمم في سبيل حماية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومنع المساس به حتى لو أدى ذلك الى الاستشهاد على عتباته ومصاطبه. وكان لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست بعد الحريق مباشرة ، الدور البارز والكبير في ردع وقمع عقلية التطرف لدى غلاة المستوطنين والإرهابيين اليهود الذين مازالت تنخر عقولهم أفكارا زائفة ومزاعم لا أساس تاريخيا لها وهي ان الأقصى هو “الهيكل” وبالتالي فانهم يسعون الى هدمه واقامة هذه “الخرافة” مكانه .
ولا يختلف اثنان على ان هذه الجريمة النكراء لم تكن لتنفذ من قبل الإرهابي المذكور لولا موجة التطرف والغرور التي اصابت الساسة الإسرائيليين وقادة الأحزاب اليهودية المختلفة من ان العرب والفلسطينيين وبعد نكسة حزيران عام 67 لن تقوم لهم قائمة ، الا ان الرد الفلسطيني جاء مفاجئا عندما هبت الجماهير الشعبية معلنة رفضها للاحتلال والتعايش معه ومؤكدة على ان الأقصى خط احمر وان المساس به يعتبر مسا بعقيدة كل مسلمي العالم .
وقد اتكأت الجماهير الفلسطينية في مواجهتها لإسرائيل التي كانت تعيش نشوة النصر ، الى المد الثوري العارم في منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت منتشية هي الأخرى بعد معركة ” الكرامة” في العام 68 حيث استعاد العرب والفلسطينيون هيبتهم بعد ان الحقوا هزيمة نكراء بجيش الاحتلال الإسرائيلي ، كما استندت على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والتي كانت وماتزال بمثابة حائط الصد امام أي عدوان إسرائيلي على تلك المقدسات وخاصة المسجد الأقصى المبارك .
ولمن لا يعرف ، فان الهاشميون ومنذ نحو قرنً مِن الزّمانِ، وهم يَقومونَ بمسؤولياتِهم التاريخيّةِ تجاه المدينةِ المُقدّسةِ، والأماكنِ الإسلاميّةِ والمَسيحيّةِ فيها . ففي الحَادي عَشر مِن شهرِ آذار سَنة 1924م، بَايَعَ عدد من المسؤولينَ الفلسطينيينَ وأهلُ القُدسِ ، الشّريفَ حُسينَ بن عَلي بالوصايةِ على المُقدّساتِ الإسلاميّةِ والمَسيحيّةِ في القُدس ، وهي تهدفُ للحِفاظِ على الولايةِ العربيّةِ والإسلاميّةِ على المدينةِ المُقدّسةِ . وفِي عَهدِ الملكِ الحُسينِ بن طلالٍ، فقدْ أمرَ بتَشكيلِ لجنةٍ لإعمارِ الأماكنِ المُقدّسةِ ِ، عُرفتْ بقانونِ (إعمارِ المَسجدِ الأَقصى المُباركِ وقُبةِ الصخرةِ المُشرّفةِ لسَنةِ 1954)، حيثُ بدأَ تنفيذُ الإعمارِ الهاشميِّ منذُ سَنةِ 1958
اما اتفاقيّةِ السّلامِ بينَ الأردنِّ وإسرائيلَ المعروفة باسم (وادي عَربَة) والموقعة عامَ 1994، فقد نصَّتْ على احترامِ الدّورِ الأردنيِّ والوصَايةِ الهاشميّةِ على المُقدّساتِ الإسلاميّةِ فِي المدينة المقدسة . وهنا ، فإننا نشدد أيضا على دور العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين الذي يعطي كل الاهتمام والرعاية للاماكن المقدسة في مدينة القدس وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك ، كما نشير الى موقفه السياسي الواضح والثابت والذي يعلمه قادة الاحتلال وهو ان القدس خط احمر وانها مدينة عربية فلسطينية خاضعة للاحتلال وان حسم ملفها لا يتم الا عبر مفاوضات جادة وبرعاية دولية نزيهة بين كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، في إشارة واضحة الى رفض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتبارها عاصمة لإسرائيل وهو الموقف الذي يتطابق مع ما تؤكد عليه القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس “أبو مازن” الذي اعلن عدم اعترافه او قبوله بقرار زعيم الولايات المتحدة بشان المدينة المقدسة التي هي ضمن الأراضي التي احتلت في حرب حزيران 1967 ويجب على إسرائيل الانسحاب منها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242 .
ان تناغم وتطابق المواقف الفلسطينية – الاردنية ، فيه رسالة واضحة للاحتلال وهي ان مصير القدس وكل القضايا العالقة والتي تم ترحيلها الى مفاوضات الحل النهائي ، لا تحسم بقرار احادي الجانب صدر عن الرئيس الأميركي ترامب الذي لا يقيم وزنا لأي قرارات دولية او اتفاقات سياسية ، وعلى دولة الاحتلال ان تؤمن بحركة التاريخ التي لا تتوقف عند زعيم يمارس علمية الاستفراد بالشعب الفلسطيني في ظل حالة الانهيار في المنظومة القيمية العربية وتراجع موازين القوى لصالح دولة الاحتلال . فقادم الأيام والسنين ربما يغير من هذه الموازين لصالح إقامة سلام عادل وشامل في المنطقة تنعم فيه الأجيال المتعاقبة بالأمن والاستقرار والكرامة وهو ما يطمح اليه الشعب الفلسطيني وكل دعاة السلام في العالم .
ان على إسرائيل التي تغمرها الفرحة والبهجة هذه الأيام عقب توقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع دولة الامارات العربية برعاية الولايات المتحدة الأميركية ، ان تدرك بان الشعب الفلسطيني وقيادته لقادرون على افشال أي مخطط يهدف الى تصفية قضيتنا الوطنية العادلة كما عليهم عدم اغفال ان القدس ومهما شهدت من عمليات تهويد وتغيير معالم ، فان جوهرها سيبقى محتفظا بعروبته واسلاميته . فالمسجد الأقصى ليس هيكلهم وحائط البراق ليس مبكاهم وليس ادل على ذلك من الآية الكريمة :” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .”