ثلاثية التنكيل بتجّار القدس: شلل اقتصادي وضرائب وتهويد!

ثلاثية التنكيل بتجّار القدس: شلل اقتصادي وضرائب وتهويد!

بيسان الشرافي

القدس المحتلة_ خاص بوابة الهدف

شللٌ تجاري واقتصادي يعمّ البلدة القديمة في القدس المحتلة، بفعل الإغلاق “الإسرائيلي” المفروض في ظلّ جائحة كورونا التي تُواصل تفشيّها في محافظات الوطن، فضلًا عن إجراءات وقرارات السلطات الصهيونية بذريعة الجائحة، والمُضافة إلى سلسلة من قرارات وقيود سابقة مفروضة أصلًا على تجار البلدة، وسائر الأهالي في القدس.

يقول المختصّ بالشأن المقدسي راسم عبيدات “إنّ الوضع في البلدة القديمة على وجه التحديد يعاني من شللٍ في الحركة التجارية والاقتصادية، نتيجة إجراءات الاحتلال، سيما في القطاع السياحي المتوقف تمامًا عن العمل منذ أشهر”.

عبيدات بيّن، للهدف، أنّ “ما يفرضه الاحتلال من ضرائب على التجار، في حال عدم الالتزام بما يُصدره من “تعليمات” متعلقة بجائحة كورونا، هو مبالغ باهظة، تصل إلى 10  آلاف شيكل لمجرد فتح التاجر لمحله، حتى لو كان بهدف تهويته أو ما شابه”. مضيفًا أن بعض التجار اضطروا بإغلاق محالهم بشكل نهائي والبحث عن عمل في أماكن أخرى.

مثل تلك الإجراءات تتزامن مع تضييقات فردية على الحواجز الصهيونية في البلدة القديمة وأنحاء المدينة المقدسة، التي تطفح بكاميرات المراقبة، وهذا كلّه فاقم من تعقيد الأوضاع المعيشية.

وتضم البلدة القديمة أكثر من 400 محل تجاري، و1400 تاجر، باتوا جميعًا تقريبًا بلا عمل، في ظل استمرار فرض الضرائب الصهيونية، على المحال والدخل- المتوقف أصلاً- ما يُشير إلى استهداف واضح للاقتصاد المقدسي وأهم مكوّناته، التجّار.

قرارات الاحتلال شملت كذلك منع أي شخص من غير سكان البلدة من دخولها، إضافة لمنع المصلين من الوصول للمسجد الأقصى، ما شكّل شبه حصار للبلدة القديمة بالقدس. “الاحتلال استغلّ جائحة كورونا لتفتيت البلدة القديمة، م من أجل تمرير مشاريعه التهويدية” يقول عبيدات.

يستغلّ الاحتلال كذلك الإغلاق التي يُحتّم تقييد الحركة، في التغول بممارساته والتنكيل بالبلدة وأهلها، والإمعان في محاولات تغيير الطابع القانوني والتاريخي، ومنه ما يشهده المسجد الأقصى.

عبيدات يوضّح “في ظل الإغلاق الشامل، سارع الاحتلال لتغيير ملامح تاريخية وإسلامية في القدس، كما جرى في منطقه قلعة داوود، التي تضم مئذنة تعود إلى العصر المملوكي، كما غيّر اسم البوابة الرئيسية وهي بوابة باب العامود، وأطلق عليها اسم عبري، كما فعل مع شوارع سمّاها بأسماء مستوطنين قُتلوا على أيدي مقاومين فلسطينيين، إلى جانب استمرار مساعي التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى وتكثيف اقتحامات المستوطنين للمسجد”.

هذه المساعي والممارسات تصاعدت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، منذ إعلان بنود صفقة القرن، والتي تابعنا آخر فصولها، على الأرض، وهي حالة الفجور التطبيعي من أنظمة الرجعية العربية مع كيان العدو الصهيوني، وهو ما أعطى الضوء الأخضر للكيان، بعد “الإقرار بأن القدس عاصمته”. وهو ما يتضمنه اتفاق ابراهام التطبيعي الذي يشكّل معاهدة للربط التاريخي بين الكيان والقدس، إذ يعطي للمستوطنين حق الصلاة في الأقصى.

في المقابل، المزيد من التغول الاستيطاني ومشاريع الهدم والتهجير، كما يحدث الآن في وادي الجوز، الذي يخطط الاحتلال لهدم 200 منشأة فيه، لإنشاء مشروع “وادي السيلكون”.

وسط كل هذا، يتصاعد خطر تسريب عقارات مقدسية تحت غطاء الجائحة من جهة، والتطبيع والتغلغل “العربي” المسموم في المدينة المقدسة، يقول عبيدات “هذا التردّي الاقتصادي قد يدفع ضعاف النفوس إلى بيع وتسريب العقارات، في الوقت الذي لا يألو فيه الاحتلال جهدًا للاستيلاء على العقارات، بحجج كثيرة”.

لكن عبيدات قال “حتى الآن، لم نشهد تسريب أراضٍ وعقارات مقدسية للاحتلال، تطبيقًا لما يتردّد ونسمعه في إطار المناكفات العربية- العربية، الإمارات والسعودية من جهة و قطر من الجهة الأخرى، لكن يبقى التخوّف قائم”.

“كل إجراءات الاحتلال تهدف إلى تهجير أهالي البلدة القديمة، وخاصة التجار، وصولًا إلى الزائرين”، يقول تاجرٌ مقدسيّ “بغيضة وعنصرية وإجراءات تعسفية عديدة تفرضها علينا سلطات الاحتلال، عدا الحواجز والتضييقات المماثلة”.

ويُضيف التاجر “أكثر القطاعات المتضررة من جائحة كورونا وما فرضته من إجراءات، يُفاقم الاحتلال أثرها وتداعياتها، هو القطاع السياحي في القدس. وصحيحٌ أنّ فرض الكمامة قانون جيّد ولغاية صحيّة، لكن يتم استغلاله والتعامل بعنصرية فيه، فلا يتشدد الاحتلال مع المستوطنين بنفس الصورة، ولا يفرض عليهم مثل تلك الضرائب الباهظة”. مؤكدًا أن الوضع الاقتصادي في البلدة القديمة وصل لأدنى مستويات، وبات التجار على شفا حفرة من الانهيار التام. فلا دخل لهم، ولا أي دعم من أي جهة.

عضو لجنة التجار في البلدة القديمة، أحمد دنديس، تساءل مستهجنًا “هل يُعقل أن تُخالف السلطات الإسرائيلية تاجرًا لمجرد فتحه محله، بعد إغلاق أكثر من 40 يومًا، بمبلغ 1500 دولار؟! وقد تضاعف هذا الرقم في الأيام الأخيرة.”

دنديس أوضح أنّ اقتصاد البلدة القديمة كان يعتمد على السياحة الداخلية: الوافدين من القطاع والضفة، والسياحة الخارجية التي تتحكم فيها وزارة السياحة الصهيونية، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ مكاتب السياحة تُمارس هنا كذلك تحريضًا ضدّ التجار والمحال والفنادق الفلسطينية. والآن في ظلّ إجراءات الاحتلال بات اقتصاد البلدة غارقًا في الجمود والشلل.

الإغلاقُ وما تفرضه الجائحة من جهة، وهجمات الضرائب من الجهة الأخرى، تتكالب على تجار القدس، سيّما في البلدة القديمة، دنديس تحدّث عن تلك الضرائب، ومنها ضريبة المُسقّفات، المعروفة باسم “الأرنونا”- يدفع التاجر  350 شيكلًا على المتر الواحد لمحله- والتي يدفع أهالي البلدة قرابة 43% منها، فيما تعود على شكل خدمات فقط للمستوطنين في الجانب الغربي من المدينة!

السلطات التي تفرض الإغلاق تواصل جباية الضرائب والمخالفات، يقول دنديس “هذه الحكومة تحاول استغلال كل وضع وكل حدّث لصالحها”. داعيًا لإلغاء كل الضرائب: ضريبة 17% وضريبة الدخل وضريبة التأمين الوطني، وغيرها، قال “البلد واقفة منذ نحو عام، لا يُعقل أن يتواصل فرض وجباية هذه الضرائب”. سيّما في ظل غياب الدعم والتعويض- قدّمت سلطات الاحتلال نحو 5000 تحت مُسمّى تعويض- لكنّ دنديس اعتبر هذا “بلا قيمة، ولن يُنقذ التجار في ظل الانهيار والتراجع الاقتصادي الحاصل”.

هذا كلّه في كفّة، وما يُقاسيه المقدسيّون في ظلّ ممارسات التهويد في كفّة أخرى، الأبرز مؤخرًا، و”المُقلق أكثر” تغييرُ أسماء درجات باب العامود، بأسماء صهاينة، كما أُشير أعلاه، وتغيير البلاط التاريخي في البلدة، ومنع دخول الأقصى في ظل السماح وتأمين اقتحامات المستوطنين إليه.

“تجّار القدس هم خط الدفاع الأول عن المدينة ومقدساتها وثباتها، وأي خلل يلحق بهم يُهدد بانهيار المدينة، لذا لابد من دعمهم وإسنادهم”، والحديث لـ دنديس الذي قال أيضًا “لا يوجد تاجرٌ واحد في البلدة القديمة بالقدس غير مديونٍ لضريبة الأرنونا، بآلاف وملايين الشواكل”. وتابع “ماذا سيحدث لو أضافت السلطة الفلسطينية إلى موظفيها الـ 164  تجارَ البلدة القديمة، وهم قرابة 1400 تاجر فقط؟! ولتدفع فقط الضرائب بدلًا منهم، وليس رواتب، لإزاحة هذا العبء الفظيع عنهم، وتعزيز صمودهم ودعمهم، الذي هو بحاجة لخطط سليمة، وهو ما لا يقدر عليه أفراد!

أمرٌ اعتبره دنديس يدعو إلى التفاؤل ودافعًا للصمود أكثر وهو أنّ كل مساعي الاحتلال وأدواته وأعوانه، الذين بات بعضُهم “عرب” بشكل مكشوف الآن ومفضوح، بعد إعلان اتفاقات التطبيع البائسة، مؤخرًا، “منذ 1967  حتى اليوم عدد قليل جدًا من عقارات البلدة القديمة سُرّب لكيان الاحتلال، وكانت إما أصولها يهودية أو من قِبَل ضِعاف نفوس، لكن الواقع في القدس هو وجود وعي وطني عالٍ لدى الأهالي والتجار، وتدقيق مُشدّد من قبل لجنة مقدسية متخصصة لتتبّع حركة بيع العقارات، حتى لو كان البائع والمشتري أخوة، وتضاعف الاهتمام والتدقيق في هذا الملف مع التطورات الأخيرة ودخول أطراف عربية تُحاول التسلل بين التجار والأهالي لشراء عقارات”.